مشروع قانون جديد احدث جدلا في التأسيسي, تمت مواراته منذ ما يقارب السنتين, لكن الاحكام القضائية الاخيرة نفضت الغبار عنه ليصبح نقطة ارتكاز عمل المجلس حاليا, مع بعض التحفظات حول امكانية تضاربه مع فصول الدستور, واحداثه لـ«فوضى تشريعية».
مشروع القانون هذا سيتم عرضه على الجلسة العامة يوم السبت القادم لمناقشته والمصادقة عليه بعد ان تنهي مناقشته لجنة التشريع العام وتقدم نصه النهائي رفقة تقرير مفصل عن النقاط الخلافية حوله، اضافة الى تصور واضح يبعد هذا القانون عن التصادم مع الدستور ويمكن ان يكون التصور مرتكزا على امكانية احداث «دوائر متخصصة» للبت في قضايا شهداء الثورة وجرحاها وليس انشاء «محاكم استثنائية».
مشروع القانون عدد 2012/44 يتعلق بإنشاء محاكم متخصصة لمقاضاة قتلة شهداء الثورة ومرتكبي الاعتداءات على جرحاها وإيقاف التتبعات ضد المشاركين في أحداث الثورة (تم تقديمه من طرف 10 نواب طبقا لأحكام الفصل 108 من النظام الداخلي)، كان مساحة خلاف حاد ساد عمل لجنة التشريع العام امس وانقسم النواب الى ثلاث مقاربات، تقول الاولى انه لا مجال لاحداث دوائر مختصة وسحب القضايا من المحاكم العسكرية، وتعتبر ان هذا الاجراء مخالف للدستور ولمبادئ المحاكمة العادلة ويجب ترك المجال للقضاء ليأخذ مجراه، اما المقاربة الثانية فتقول انه يجب القيام بدوائر متخصصة تبت في قضايا شهداء الثورة وجرحاها وتكون في صلب القانون الدستوري ولن تكون ضد الفصل 110 من الدستور، اما المقاربة الثالثة فتطالب بتنقيح قانون العدالة الانتقالية .
هذا الخلاف قاد النواب الى التصويت وقد صوت لصالح احداث الدوائر المتخصصة كل من رئيسة اللجنة كلثوم بدر الدين وايمان بن محمد وسناء مرسني ويمينة الزغلامي وجمال بوعجاجة (حركة النهضة) وخليد بلحاج (البناء الديمقراطي) وسمير بن عمر (المؤتمر)، في حين صوتت ضد هذا الاجراء صالحة بن عائشة (حركة النهضة) ورفض نائبي التحالف الديمقراطي محمد قحبيش ونجلاء بوريال التصويت باعتبار الضبابية في الرؤية، ونصح نائب الحزب الجمهوري رابح الخرايفي بضرورة الانتباه الى امكانية تصادم القوانين واحداث فوضى تشريعية.
يذكر انه دار نقاش طويل داخل اللجنة حيث قال نائب التأسيسي عن حركة وفاء ازاد بادي انه يجب تركيز دوائر مختصة في قضايا شهداء الثورة وجرحاها لانه سيتم اغراق الدوائر التي سيتم احداثها بعدد كبير من القضايا المتعلقة بالعدالة الانتقالية، اما نائب المجلس الوطني التأسيسي المستقل نجيب كحيلة فقال ان ما يقوم به التأسيسي اليوم جزء من المشكل وليس حلا, واعتبر ان التأسيسي فوت على نفسه فرصة التعبير عن هموم الشعب, واضاف «ان اردنا نحن النواب القيام بجولة في المدينة سيقذفوننا بالرش وليس بالحجارة، لان كل الناس تسخر منا», في حين نبهت سلاف قسنطيني نائبة التأسيسي عن حركة النهضة الى ضرورة احداث دوائر متخصصة وليست محاكم مختصة .
اما رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين فقالت ان النواب اجمعوا على التاخر في النقاش وان الاحكام الاخيرة غير منصفة، وان هذه الاحكام لم تعتمد على ان البلاد صارت فيها ثورة وان الناس خرجت على منظومة الفساد، ولم يتم اعتبار المتهمين مسؤولين عن القتل بل مجرد تقصير في انجاز الاطراف التي قتلت فقط، وشددت كلثوم بدر الدين على ان النواب اعتبروا ان التكييف غير صحيح، وان المحكمة العسكرية لم تاخذ هذا بعين الاعتبار، واعتبرت بدر الدين ان القضاء العسكري لم يكن منصفا، وان هناك من طالب بنقل القضايا اوهناك من قال ان حتى القضاء العدلي لن يكون منصفا وتمت المطالبة بانشاء دوائر متخصصة وقضاة متخصصين يقع اختيارهم بدقة, وهناك من يطالب بتنقيح الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية ويقولون ان المحاكم موجودة ويكفي ان نضيف لها قضايا شهداء الثورة، وهناك من يطالب بمحاكمات علنية حتى يعلم ذلك كل الناس ويتم اعطاؤهم صلاحيات واسعة مثل النفاذ الى الارشيف ..اضافة الى بعض من يريدون تنقيح المجلة العسكرية والمرسوم المتعلق بذلك لسحب الاختصاص من هذه المحاكم واحالة الملفات الى دوائر مختصة, وشددت كلثوم بدر الدين على ضرورة التدقيق حتى لا تتم مخالفة الدستور ويجب ان نتحرى حتى لا يتم الوقوع في هذا الخطإ ويخالف القانون الفصلين 110 و149 من الدستور.
امكانية تنقيح قانون العدالة الانتقالية
يرغب بعض النواب في تنقيح الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية لاحداث دوائر متخصصة في قضايا شهداء الثورة وجرحاها وينص الفصل 8 على انه «تحدث باوامر دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف تتكون من قضاة يقع اختيارهم من بين من لم يشاركوا في محاكمات ذات صيغة سياسية ويتم تكوينهم تكوينا خصوصيا في مجال العدالة الانتقالية. تتعهد الدوائر المذكورة بالنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان على معنى الاتفاقيات الدولية وعلى معنى احكام هذا القانون ومن بين هذه الانتهاكات القتل العمد والاغتصاب واي شكل من اشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء القسري والاعدام دون توفر ضمانات المحاكات العادلة .وكما تتعهد هذه الدوائر بالنظر في الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات وبالفساد المالي والاعتداء على المال العام والدفع الى الهجرة الاضطرارية لاسباب سياسية المحالة عليها من الهيئة».
تضارب القانون مع فصول الدستور
نبّه بعض النواب الى ان مشروع القانون عدد 44 يمكن ان يناقض الدستور وخاصة فصليه 110 و149، وينص الفصل 110 على ان تحدث أصناف المحاكم بقانون، ويمنع إحداث محاكم استثنائية، أوسن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة.المحاكم العسكرية محاكم متخصّصة في الجرائم العسكرية. ويضبط القانون اختصاصها وتركيبتها وتنظيمها والإجراءات المتبعة أمامها والنظام الأساسي لقضاتها. « اما الفصل 149 فينص على ان «تواصل المحاكم العسكرية ممارسة الصلاحيات الموكولة لها بالقوانين السارية المفعول إلى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110.»
أكمل القراءة »