حسب آخر الإحصائيات وإلى حدود نوفمبر بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين حوالي 25 ألف شخص. يموت منهم سنويا 500 شخص . هذه الأرقام المفزعة تبرز الخطر الداهم على شبابنا الذي أصبح يدور في فلك الإرهاب والحرقة والتهريب فما هي الأسباب؟
كشفت الندوة الدولية التي انعقدت بتونس تحت عنوان مستجدات الهجرة غير النظامية المغاربية إلى أوروبا في اطار التحولات الإقليمية . عن الأسباب التي أدت إلى تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين سواء في العالم والمقدر عددهم بـ30 مليون شخص أو في تونس. وكما تطرق المشاركون في هذه الندوة وهم مجموعة من المختصين والخبراء في مجال الهجرة غير الشرعية إلى النتائج الكارثية للهجرة غير النظامية والتجاوزات والمخاطر التي يعيشها المهاجر مثل الاستغلال والانخراط في الجريمة المنظمة وغيرها من المصاعب.
وباعتبار أن الهجرة تتنزل ضمن الإهتمامات الوطنية والإقليمية والدولية الرئيسية في الوقت الحالي خاصة في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الإقتصادية وتحرير قيود التجارة التي تقتضي فتح الحدود وتخفيف القيود على السلع وحركة رؤوس الأموال وهو ما كانت له آثار اقتصادية واجتماعية متنوعة على الدول النامية والفقيرة. سعت الجامعة العربية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة ووزارة الشؤون الإجتماعية إلى تنظيم هذه الندوة الدولية حول موضوع الهجرة غير الشرعية في البلدان المغاربية ومصر .
أسباب الهجرة
بين الأستاذ والباحث الإجتماعي سالم الميزوري أسباب وتداعيات الهجرة غير النظامية وقال: إن الأسباب التي أدت إلى تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عديدة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
الإقتصاد الهش والضعيف وتباين المستوى الإقتصادي
يتجلى التباين في المستوى الاقتصادي بصورة واضحة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية والدول المستقبلة.
هذا التباين هو نتيجة لتذبذب وتيرة التنمية في تونس و التي لازالت تعتمد أساسا في اقتصادها على الفلاحة والسياحة وهما قطاعان لا يضمنان استقرارا في التنمية نظرا لارتباط الأول بالأمطار والثاني بمدى الاستقرار الأمني في البلاد وهو ما له انعكاسات سلبية على مستوى سوق الشغل..
سوق الشغل
خلافا لما نجده في دول الاستقبال، فإن النمو الديمغرافي، رغم الوضعية المتقدمة لما يسمى بالانتقال الديمغرافي في الدول الموفدة، لازال مرتفعا نسبيا وهذا له انعكاس على حجم السكان النشيطين وبالتالي على عروض العمل في سوق الشغل.
وهكذا فإن البطالة تمس عددا كبيرا من السكان وخاصة منهم الشباب والحاصلين على شهادات جامعية. و تقدر نسبة البطالة في المغرب على سبيل المثال بحوالي %12 وتبلغ 21% في المجال الحضري، وفي الجزائر تصل هذه النسبة إلى 23.7% حسب المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و15% في تونس. هذا الضغط على سوق العمل يغذي «النزوح إلى الهجرة» خاصة في شكلها غير القانوني.
ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، فإن ذلك يقتضي تنمية فاعلة ومستدامة قادرة على خلق حوالي مليون فرصة عمل سنويا بالنسبة لدول المغرب العربي الثلاث: المغرب (400 ألف فرصة عمل، الجزائر (500 ألف فرصة عمل وتونس 100 ألف فرصة عمل) ومن انعكاسات ظاهرة البطالة زيادة حجم الفقر.
ويشكل التباين في الأجور كذلك عاملا للتحفيز على الهجرة حيث الحد الأدنى للأجور يفوق بـ3 إلى 5 مرات المستوى الموجود في دول المغرب العربي، على أن هذا الحد لا يحترم أحيانا من طرف أرباب العمل.
ولكن إذا كانت الظروف الاقتصادية تشكل عوامل أساسية في التحفيز على الهجرة، إلا أن ذلك لا يشرح كيف أن البعض يمر إلى مرحلة التطبيق دون البعض الآخر، هذا يعني أن قرار الهجرة تدفع إليه عوامل أخرى وهي أساسا اجتماعية ونفسية.
العوامل المحفزة
تتمثل العوامل المحفزة بالأساس في ثلاث نقاط هامة ورئيسية وهي:
النجاح الإجتماعي : الذي يظهره المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث يتفانى في إبراز مظاهر الغنى: سيارة، هدايا، استثمار في العقار الخ.... وكلها مظاهر تغذيها وسائل الإعلام المرئية.
آثار الإعلام المرئي: فالثورة الإعلامية التي يعرفها العالم جعلت السكان حتى الفقراء منهم يستطيعون اقتناء الهوائيات التي تمكنهم من العيش عبر مئات القنوات في عالم سحري يزرع فيهم الرغبة في الهجرة..
القرب الجغرافي: فأوروبا لا تبعد عن الشاطئ المغربي إلا بـ14 كلم والشاطئ الإسباني يمكن رؤيته صحوا من الشاطئ المغربي الممتد من طنجة إلى سبتة السليبة.
إضافة إلى هذه العوامل الاقتصادية والمحفزة، هناك عوامل أخرى مصدرها دول الاستقبال.
عوامل الجلب
إن حلم الهجرة هو نتاج الممنوع، وهو رد فعل أمام غلق الأبواب أمام الهجرة الشرعية والسياسة التي تبنتها أوروبا في هذا المجال والتي كانت لها آثار عكسية حيث أججت من وتيرة الهجرة السرية وجعلت كلفتها باهظة بالنسبة للمرشح للهجرة.
وهكذا أصبحت الهجرة مشروعا مكلفا واستثمارا يقتضي تعبئة مصادر للتمويل من أجل تحقيقه من ديون ومن بيع للأرض والممتلكات... إلخ هذا ما يفسر كيفية إقبال المهاجر غير الشرعي على أي عمل مهما كان مذلا وصعبا لأنه في كل الحالات لا يقبل أن يرجع خاوي الوفاض.
وتجدر الإشارة هنا إلى وجود طلب نوعي على العمل في دول الاستقبال، هذا الطلب يستجيب وفقا لمعايير كلفة تشغيل العامل ومرونته في قبول أعمال صعبة حسب احتياجات سوق العمل وغالبا ما تكون هذه الأعمال مؤقتة ومنبوذة اجتماعيا. هذا الطلب يصدر أساسا عن قطاعات كالفلاحة والبناء والخدمات.
ويوفر المهاجرون كذلك ما يحتاجه القطاع غير المهيكل من يد عاملة حيث يمثل هذا القطاع ما بين 20 و25% من الناتج المحلي الإجمالي في دول القوس اللاتيني.
وتحصل هذه القطاعات على امتيازات مالية واجتماعية بتوظيف هذه اليد العاملة التي تتميز بكونها طيعة وغير مكلفة.
غياب الردع القانوني
ويظل الجزاء القانوني حتى الآن، ورغم القوانين الصادرة للحد من الهجرة غير الشرعية، دون حد رادع لأصحاب العمل عن استغلال هذه اليد العاملة غير الشرعية.
وقد أدت جدلية الرفض القانوني والطلب الاقتصادي إلى إنعاش ما يمكن تسميته بـ»تجارة الأوهام». وقد تكونت شبكات منظمة في مختلف مناطق مرور المهاجرين السريين لتقدم خدماتها إلى هؤلاء. ويؤدي المرشح للهجرة السرية ما بين 600 إلى 5500 دولار في مضيق جبل طارق.
وتفوق هذه الكلفة بكثير هذه القيمة بالنسبة للشبكات العاملة بين آسيا وأوروبا أو الولايات المتحدة، ويقدر رقم معاملات هذه الشبكات على المستوى الدولي بحوالي 7 ملايين دولار في السنة.
كل هذه العوامل تغذي الرغبة في الهجرة، وهذا النزوح هو أقوى عند الشباب كما تدل على ذلك مختلف المسوح التي أجريت في هذا الشأن في دول المغرب العربي والتي تبرز بعضها أن الرغبة في الهجرة في المغرب موجودة عند 19% من السكان النشيطين وهي أعلى عند الطلبة حيث تبلغ 54 %.