ورأى منتقدو القرار الجمهوري القاضي بالإطاحة بالجنرالات الثلاث محمد نجيب الجلاصي وكمال العكروت (المدير العام للاستخبارات العسكرية) والطيب العجيمي (المتفقد العام للقوات المسلحة) أنّ قرار الرئيس المفاجئ قد تكون له علاقة بتطورات الاحداث في جبل الشعانبي من ذلك مباشرة طيران الجو لعملياته ضد الارهابيين المتحصنين في المناطق الوعرة في الجبل دون الرجوع بالنظر للرئاسة وهو الامر الذي اغضب المنصف المرزوقي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة فقرر الإطاحة بالجنرال الذي لم يستشره قبل العملية ورغبة منه في الإبقاء على ولاء المؤسسة العسكرية وخاصة عدم تغريدها خارج السرب.
يمكن لمن لم تتوفّر له فرصة التعرّف عن قرب عن المؤسسة العسكريّة ان يصدّق مجمل هذه القراءات. حتّى الرئيس نفسه، إن أصابت هذه التحاليل في تفسيرها لقراره، يبدو انه أخطأ التقدير؛ إذ هو لم يتعرّف جيّدا على هذه المؤسسة ولم يفهم طبيعة سيرها فهي مؤسسة يختفي فيها الأشخاص جنرالات كانوا او عمداء أو عقداء وتظلّ هي قائمة ثابتة رغم حدّة الدوران من حولها.
منحتنا المؤسسة العسكريّة فرصة التعرّف عن قرب عن جيش الطيران. فكانت زيارة القاعدة العسكريّة الجويّة بمطماطة خاتمة زيارتنا إلى المنطقة العسكرية العازلة في الجنوب طيلة يومين.
القاعدة العسكرية الجوية
بدأت رحلتنا من دوز إلى القاعدة العسكرية الجوية بمطماطة في حدود الساعة الحادية عشرة من صباح الاربعاء وكانت رحلة صعبة بسبب سوء الأحوال الجويّة واندفاع الدوائر الرمليّة بشكل كاد يحجب الرؤية في الطريق.
130 كلم فاصلة بين الوجهتين يمكن خلالها إكتشاف مشهد آخر من تونس فمع الاقتراب من مطماطة القديمة هدأت الرياح واتضحت الرؤية وأطلّت مرتفعات رغم عرائها من الخضرة بدت جميلة وشاهقة.
يتلوّى المسلك السياحي في مطماطة بين المرتفعات شاسع نظيف خال من السيّاح. وعلى يساره ظهرت بعض المنازل الطينيّة المندسّة في قلب المرتفعات. بعض من تلك المنازل ماتزال مأهولة بالسكّان في مشهد جميل.
الطريق هادئ طويل في اتجاه القاعدة الجوية التي تبتعد عشرات الكيلومترات عن ولاية قابس. وكانت قد تأسست في 25 ديسمبر 1978 طبقا للمقرر عدد 78/1018 في مدينة قابس إلاّ انّ زيادة التوسّع العمراني من حولها قاد إلى قرار إخراجها من وسط المدينة نهاية التسعينات فانطلقت أشغال بناء مصطبة العمليات عام 1998 والمقصود بالمصطبة هو المدرج ومسالك إقلاع الطائرات وغيرها.
وانتهت الأشغال عام 2003 لتنطلق أولى الرحلات المدنيّة من القاعدة العسكرية في نفس السنة وكان على متنها حجّاج إلى بيت الله. وتم تدشينها رسميا في ذكرى عيد الاستقلال عام 2007.
الوحدة الجوية 33
بعد التثبّت الدقيق في هوياتنا تم السماح لنا بالدخول إلى مقر القاعدة الجويّة حيث استقبلنا العقيد سليمان نابي آمر القاعدة ليقدّم لنا ملخّص مهام القوّات الجويّة في المكان.
من مهام القاعدة الجوية بقابس الإشراف على النشاط العملياتي ولعب دور في الإسناد التقني والاسناد الاداري والاسناد الصحي والنقل وتوفير الامن والحماية والتدريب مستندة في ذلك على ما توفره الوحدة الجوية 33 من خدمات والمركز الثاني للتدريب بجيش الطيران ومركز العمليات لمنطقة الجنوب والمطار العسكري برمادة. كما تتولى القاعدة الجوية مهام ذات طابع عام مثل تامين مهمة حفظ النظام ومؤازرة جيش البر وتجسّد هذا خاصة بعد الثورة وكذلك تأمين حسن سير الامتحانات الوطنية كل عام من خلال نقلها. وأسهمت ايضا في تامين انتخابات اكتوبر 2011 وتأمين رحلات الحجيج الى غاية عام 2010.
وتعمل القاعدة وفقا لشكل هرمي يمثله آمر القاعدة اولا ثم فصيل القيادة المسنود بمستشارين يمثلون خلية يقظة بالاضافة الى خمسة خلايا أخرى فيها الامن العسكري وسلامة الطيران والسلامة المعلوماتية وغيرها كما تضم ستة مجامع اساسية منها مجمع العمليات ومجمع الحماية والدفاع.
لا أسماء للأشخاص هناك وحده إسم المؤسسة والهيكل يعلو على الأفواه.
تتدخّل الوحدة الجويّة 33 التي تأسست في أفريل 1986 في كامل تراب الجمهوريّة وذلك بالدعم الناري ليلا نهارا وهي مجهزة بصواريخ مضادة للدروع وبمدافع رشاشة وتتولى مهمة الاستطلاع المسلحة في الحدود وفقا لما صرّح به العقيد محمد الحراثي مشيرا الى ان تدخّل الطائرات المقاتلة في محاربة الإرهاب يتم وفقا لقرارت سريعة تأتي في موعدها.
الوحدة الجوية 13
إلى جانب الوحدة الجوية 33 يعتمد جيش الطيران على الوحدة الجوية 13 التي تأسست في سبتمبر 1985. وتخضع هذه الوحدة إلى صرامة في اختيار الطيّارين الذي سيتولون لاحقا قيادة الطائرات المقاتلة من نوع ف5 ول59 وس 260 وهي طائرات حربيّة نفاثة.
يقول العقيد حمدي خليفة آمر الوحدة الجوية المذكورة لـ«الشروق» إنّ هدى العنيزي كانت آخر إمرأة تقتحم مجال الطيران الحربي المقاتل إذ كانت هدى متمكنة جدا من الطيران البهلواني وحصلت على المؤهل الثالث في النفّاث إلاّ أنها فضّلت المغادرة عام 2007 للالتحاق بطيران النقل لأسباب شخصية تخصها.
وحول مهام وحدته قال إنّ الوحدة الجوية 13 قامت باستطلاعات ما بعد الثورة لتأمين الاحتياطات الأمنية بمعبر الذهيبة كما شاركت في عمليات القصف في الشعانبي.
وردا على سؤالنا حول تقييم مدى نجاح العمليات في الشعانبي قال العقيد خليفة لـ«الشروق» «العملية الناجحة هي التي تحقق هدفها من ذلك هدف قصف المغاور وقصف مواقع استراتيجية للتضييق على الإرهابيين في الاماكن الوعرة وعملياتنا حققت أهدافها إلى حد الآن».
من جهته قال العقيد محمد الحراثي إنّ جيش الطيران متواجد ميدانيّا في محيط الشعانبي ممثلا في ضابط اتصال جيش الطيران الذي ينسق عمليات التدخّل في الوقت المطلوب مؤكدا ان هناك عسكريات يسهمن في العملية.
وحول مدى دعم قدرات القوات الجويّة ما بعد الثورة خاصة مع تزايد التصريحات حول الدعم اللوجستي للجيش التونسي خاصة في المناطق الحدودية من ذلك دعم قدراته على مستوى الاستطلاع قال العميد الحراثي «لدينا كل ما نحتاجه سواء على مستوى التجهيزات او على مستوى الطائرات القتالية وقد شاركنا في الوحدة العسكرية بالشعانبي ودعمنا القوات البريّة في حربها على الارهاب واليقظة والثبات هو شعارنا الدائم وفي الجنوب ثمّة تنسيق كامل بين جيش البر وجيش الطيران ووزارة الداخلية ونحن نقدم المساعدة بالاستطلاع بغاية التدخّل ونجحنا في تحطيم ثلاث طيارات مسلحة كانت تتسلل من الجنوب الغربي الى صحرائنا».