ما تبحث عنه الجماعات الارهابية اليوم في تونس هو خلق «مرحلة جديدة» تكرّس الفوضى في البلاد، سواء موازين القوى السياسية وقواعدها الداخلية، أو الجهة المعادلات الإقليمية المعنية بها المنطقة، وخير مدخل «تكتيكي».
لها هو ضرب الانتخابات، من اجل ضمان سقوط البلاد في قبضتها، تمهيدا لتنفيذ بقية فصول «خطّتها».
تكتفي السلطات التونسية دائما بالإعلان عن انها أحبطت عمليات إرهابية وهي في طور التخطيط او في مراحل أولى من التنفيذ، دون ان تنفي انّ لها مخاوف من ان تنفّذ الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة عمليات في فترة الانتخابات التي تقبل عليها البلاد قريبا.
هذه المخاوف التي ولدتها اعترافات الموقوفين بان للمجموعة المحسوبة على تنظيم انصار الشريعية الموالي لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي خطة لزعزعة الاستقرار تنطلق باستهداف المسار الانتخابي، وهو ما يجعلها حريصة على تنفيذ مخططها رغم الضربات التي تلقتها، واخرها كان القاء القبض على حوالي 25 منتسبا اليها.
الحرص الذي تبديه المجموعات الارهابية لضرب المسار الانتخابي ليس مردّه تصنيفها للعملية الانتخابية كاحد عناوين الكفر من خلال قراءة فقهية تقوم على ان المشاركة في العملية الديمقراطية مهما كانت «إقرار بكفر فاعلها» باعتبار ان «الديمقراطية دين كفري»، من وجهة نظرها، وانّما يستمد من قراءة منظري الجماعات الجهادية/الارهابية للوضع في دول الثورات، ومنها تونس التي خصّت بذكر حينما تعلّق الحديث عن «استحالة التعايش بين العلمانيين والاسلاميين».
ما تعّده الجماعات الإرهابية لتونس في الفترة القادمة سبق وان وقع الحديث عن خطوطه العريضة اكثر من مرّة في ادبيات الجماعات، فان كان كتاب «ادارة التوحش» تحدّث عن احداث الفوضى وإنهاك الدولة من مقاربة تسبق قيام «الثورات العربية» فان كتاب «المذّكرة الإستراتيجية» لعبد الله بن محمد، يشرح مقاربته لـ«العمل الجهادي» بعد الثورات، وفيه يتحدّث عن قراءته للمشهد العام التونسي، وهي القراءة التي تتبناها الجماعات الإرهابية في تونس، وأثبتت عملياتها ذلك.
فشل سابق
ما تعمل عليه المجموعات الإرهابية هو ان تحول دون اجراء الانتخابات التشريعية القادمة من اجل احداث الفوضى، ورهانها في ذلك ان تاخير اجراء الانتخابات او إلغاءها سيدفع بالقوى السياسية التونسية الى التناحر والعمل على استمالة ولاء الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تعتبر الجماعات الارهابية انّها ستنقسم الى شقين ان شهدت البلاد زعزعة لاستقرارها الامني والسياسي.
هذه الغاية التي من اجلها خططت المجموعات الارهابية ونفّذت عمليات اغتيال لكلّ من شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 ومحمد البراهمي في 25 جويلية 2013، ظنا منها ان الاغتيال الاول الذي تزامن مع تصاعد وتيرة الانقسام واحتدام الازمة السياسية في تونس سيشرع للمواجهة بين احزاب الترويكا وتحديدا حركة النهضة وبين بقية القوى السياسية في البلاد وهو ما سيؤثر على المؤسستين العسكرية والامنية ويربكهما، وفي تلك اللحظة تاخذ الجماعات بزمام المبادرة وتدخل في الصدام المسلح معها تمهيدا لبسط نفوذها على البلاد، لكن المخطط فشل ولم يتحقّق لها ما بحثت عنه، من انهيار كلي للدولة.
بعد عملية الاغتيال الأولى نفّذت عملية ثانية كان لها نفس الهدف، وهو إرباك المشهد الذي اتسم ببلوغ الانقسام أقصى درجاته في البلاد، والى بلوغ البلاد مرحلة الإفلاس، وهو ما ظنت المجموعات انه سيحدث الصدمة والإرباك للجميع ويشرع للانقسام الداخلي، لكنه أيضا فشل.
الانتخابات الفرصة الأخيرة
تطمح المجموعات الإرهابية في ان تحول دون إجراء الانتخابات التشريعية القادمة، وان يكون ذلك تتويجاً لتكتيك بعيد المدى تعتمده في حربها ضد الدولة التي تبلغ عامها الثاني، هذا التكتيك القائل ان النخبة السياسية في تونس لن تتمكن من التوافق على كيفية الخروج من الأزمة السياسية التي ستشهدها البلاد في حال عدم إجراء الانتخابات، وهو ما سيشرع الأبواب للفوضى العارمة.
ما تؤمن به الجماعات الإرهابية هو ان عدم إجراء الانتخابات في موعدها سيؤدي إلى الفراغ السياسي ومنه إلى الفوضى التي سيقع استثمارها لصالحهم، هذا الايمان يدفع بهذه الجماعات إلى استهداف المسار الانتخابي مهما كلّفها الأمر وبكلّ السبل، لذلك كانت المعطيات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية تتضمن وجود مخططات اغتيال وتنفيذ عمليات تفجير واستهداف العديد من المنشآت، وهي مخططات لا يمكن القول انه وقع إفشالها جميعا.
هذه المقاربة التي تنطلق منها المجموعات الإرهابية ليست «محلية تقتصر على رؤية المشهد في تونس دون سواه، ففي الأدبيات الحديثة للجماعات الجهادية/ الإرهابية ينظر إلى كل بلد على انه احدى قطع اللعبة على رقعة إقليمية، وفي واقعنا المعيش فان الرقعة الجغرافية للمجموعات الإرهابية تمتد من ليبيا إلى مالي مرورا بتونس والجزائر.
هذه الرقعة التي تتعاطي معها الجماعات الإرهابية كميدان قابل للتهيئة ليكون ارض خلافة، لكن قبل ذلك ينظر إليه على انه يتضمن فرصة الانتقال «امرأة التنظيم» إلى إمارة الحكم أي الانتقال من مرحلة المجموعات إلى مرحلة «الإمارة» الدولة، وهذا الانتقال يجب ان يقع في ارض مهيئة، الاولى ليبيا والثانية تونس التي لن يتطلب تهيئتها من وجهة نظر الجماعات غير بثّ الفوضى فيها.
ولا تتحرك المجموعات الإرهابية على ان المشهد الإقليمي تتحكم فيه أنظمة محلية، بل هي تنطلق من أن القوى الدولية لن يكون بمقدورها التدخل في المشهد إن سادت الفوضى لأنها ستكون منشغلة بإدارة الصراعات الدولية وحل ملفاتها الداخلية، وانها لن تستعيد القدرة على الفعل السياسي إلا بعد ان يكون مخطط المجموعات نفّذ وهو ما سيؤدي إلى فشل التحرك الدولي ضدّها.
لا ترسم المجموعات الإرهابية مخططها بالاستناد إلى نقاط قوتها بل بالعودة إلى نقاط ضعف خصومها، وخصمها هذه المرّة هو الدولة التونسية التي تراهن المجموعات على ان نخبتها السياسية هي نقطة ضعفها الأبرز، وانه اول ما تبرز بوادر الأزمة ستتكفل هذه النخبة بتحقيق نصف المهام، عبر استهدافها لأجهزة الدولة وإرباكها.