على مدار العام، يشهد معبر “رأس جدير” الحدودي بين تونس وليبيا توترات واحتجاجات من الجانب التونسي، كثيرا ما تؤدي إلى إغلاقه، كما هو الوضع حاليا.
المعبر يقع في مدينة بنقردان الحدودية بمحافظة مدنين جنوب شرقي تونس، ويبعد نحو 30 كلم عن مركز المدينة، وقرابة 180 كلم عن العاصمة الليبية طرابس.
منذ أكثر من شهر ونصف الشهر أغلق تجار تونسيون الطريق المؤدي إلى المعبر، وتعطلت الحركة التجارية بالكامل في المنفذ البري، وتعطلت معها الحركة الاقتصادية وسط بنقردان.
ويمنع هؤلاء التجار مرور أية شاحنة أو سيارة ليبية إلى تونس، باستثناء الحالات المستعجلة.
وينفذ التجار التونسيون، منذ أسابيع، اعتصاما تحت شعار: “سيِّبْ انسيِّبْ” (أُترك أنت حتى أَترك أنا).
وقال عبد السلام الرقاد، مشارك في الاعتصام، إن “هذا الاعتصام هو آخر حلقات احتجاج أهالي بنقردان ضد التضييقات الليبية في المعبر من إهانة وضرب وتعطيل للحركة، التي يمكن أن تصل إلى أكثر من خمس ساعات داخل الجانب الليبي من المعبر”.
وأضاف الرقاد، في حديث للأناضول، أن “التجار (التونسيون) الذين يقتاتون من المعبر هم تجار صغار يجلبون (من ليبيا) البنزين والسلع البسيطة، وليسوا أبدا من أباطرة التجارة كما يتم التسويق لهذا”.
وشدد على أنه “بمجرد غلق المعبر أحيل مباشرة بين 40 و50 بالمائة من أهالي مدينة بنقردان على البطالة بشكل مباشر”.
** أزمة محروقات
مع تعطل الحركة وسط معبر “رأس جدير” شهدت أسعار العشرين لترا من البنزين المهرب ارتفاعا كبيرا لتصل إلى حوالي 50 دينارا تونسيا (18.3 دولار أمريكي) قبل أن تختفي تماما منذ أكثر من أسبوعين.
خلال الأيام الأولى لإغلاق المنفذ، نفدت كمية البنزين المهرب في أماكن بيعها على الطريق الرئيسي للمعبر.
كما نفدت تماما المحروقات في المحطات الرسمية لبيع الوقود وسط بنقردان والمدن الأخرى المجاورة، قبل أن تضخ السلطات التونسية محروقات بكميات كبيرة.
وقال فتحي البقالتي، رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في مدنين: “إلى غاية اليوم يتواصل نقص البنزين في محطات التزويد، ويصل النقص إلى 60 بالمائة من الاستهلاك”.
وتابع البقالتي، في تصريح للأناضول، أن “أصحاب المحطات يطالبون الدولة بضخ كميات أكبر في محافظة مدنين، ولكن حجم التزويد لا يلبي كمية الطلب الكبيرة”.
ومضى قائلا إن “إغلاق المعبر أثر بشكل كبير على جميع المستويات في كل المحافظة، وحتى على المستوى السياحي، فالنُزل التونسية تستقبل سنويا عددا كبيرا من السياح الليبيين”.
** شريان الحياة
داخل مدينة بنقردان، أغلق ميلود اللافي، مواطن تونسي، محله المخصص لبيع البنزين المهرب، ليلتحق بالمعتصمين قرب معبر “رأس جدير”.
اللافي قال للأناضول: “أغلقت المحل الذي اشتغل فيه، منذ ما يزيد عن الأسبوعين، فالبنزين مفقود (غير متوافر)”.
ويُحمّل اللافي المسؤولية الكاملة للمسؤولين التونسيين، الذين لم يتحملوا مسؤوليتهم، وفق تعبيره.
وتابع: “بالنسبة لمعبر راس جدير فهو شريان الحياة الأساسية في مدينة بنقردان.. هو المشروع التنموي الوحيد تقريبا في المدينة”.
وأوضح: “مشكلتنا الأساسية مع السلطة في تونس التي تضيق علينا في جلب السلع، بينما تسمح لآخرين بإنزال نفس السلع في موانئ أخرى، كميناء رادس (شمال)”.
** مساعٍ لإنهاء الأزمة
مع تفاقم المشاكل في بنقردان، يبذل نشطاء تونسيون وليبيون جهودا لإعادة فتح المعبر.
وقال رئيس بلدية بنقردان، فتحي عبعاب: “نسعى إلى إجراء لقاء يجمع الأطراف التونسية والليبية لإيجاد حل في مشكل المعبر”.
وأضاف عبعاب، في تصريح للأناضول، أن “الاجتماع سيكون في ليبيا، ونحن ساعون إلى إيجاد حل مع الأطراف الليبية، من خلال تقديم اقتراحات قمنا بالتشاور فيها مع المعتصمين”.
** سلع مدعومة
داخل معبر “رأس جدير” تفرض السلطات الليبية قوانين صارمة لمنع نقل السلع إلى تونس، بدعوى أنها تهدد الاقتصاد الليبي، لأن الكثير منها مدعوم من السلطة الليبية.
وهو ما علقه عليه الناشط التونسي، عبد السلام الرقاد، بقوله للأناضول: “الإخوة الليبيين عليهم أن يفهموا أن هذا كلام غير صحيح”.
وأردف: “المواطن الليبي عندما يرجع إلى بلاده يحمل معه من تونس كل المواد الغذائية المدعمة والخضار والسكر وغيره كثير، وهذا أيضا يكلف الدولة التونسية أموالا كبيرة من الدعم”.
وتسعى تونس وليبيا إلى زيادة قيمة التبادل التجاري بينهما، والذي تراجع إلى قرابة مليار دولار، بحسب تصريح صحفي لوزير الصناعة التونسي، سليم الفرياني، في يوليو/ تموز الماضي.
وقال فتحي البقالتي، رئيس منظمة الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في مدنين: “يجب الانطلاق في تفعيل المنطقة الحرة (للتجارة) بين البلدين، التي من شأنها خلق حركية تجارية كبيرة”.
وتابع: “على الدولة التونسية الإسراع في خلق مثلث تجاري يمتد من موانئ ليبيا التجارية إلى المنطقة الحرة في بنقردان والميناء التجاري بجرجيس (يتبع محافظة مدنين أيضا)”.
وتم الإعلان، العام الماضي، عن بدء إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر على الحدود بين تونس وليبيا.
وتوجد بوابتان حدوديتان بين الجارتين، هما: معبر “رأس جدير”، ومعبر “ذهيبة/ وازن”، في مدينة ذهيبة بمحافظة تطاوين.
ومعبر “ذهيبة/ وازن” مفتوح هذه الأيام من الجانبين، بعدما شهد هو الآخر اضطرابات أدت إلى إغلاقه بشكل كامل.
This is only an excerpt. You can read the full article on رأي اليوم