برز نوع جديد من الأثرياء في مختلف المناطق، مباشرة بعد الثورة، فمن كانوا يعانون البطالة والخصاصة في مناطق إلى اليوم محرومة ولم تعرف التنمية إليها طريقا أصبحوا أصحاب رؤوس أموال وبرزت عليهم مظاهر الثراء، لكن لسائل أن يسأل من هم، ومن أين لهم هذا؟..
وبعيدا عن منطق الشبهات وترويج الإشاعات عن مصادر الثراء يرى المحللون أن انفجار التهريب وتدفق السلع خارج المسالك المنظمة وراء ظهور عدة أثرياء خاصة بين الشباب وهنا يقول الأستاذ عبد الرحمان اللاحقة أحد خبراء قسم الدراسات باتحاد الشغل «الأثرياء الجدد في الجهات أو في كامل البلاد وراءه التهريب فقد وقع استغلال ضعف الدولة بعد الثورة لتنشر ظاهرة التهريب التي شملت العديدين باعتباره نشاط يوفّر عدة مداخيل هامة».
الظاهرة كانت مثل المغناطيس حيث جلبت إليها مختلف الشرائح بما في ذلك الأطفال الصغار وخاصة من المناطق الداخلية فقد أصبح هدف العديدين أن يصبحوا مهربين يملكون سيارات «ديماكس» والمال، وأخرون عديدون التحقوا بأقربائهم في الأسواق الموازية بالعاصمة وعدة مدن كبرى لترويج السلع المهربة وكسب المال..
وتجدر الاشارة إلى أن السلع المهربة قد استأثرت بـ 50 % من الأنشطة التجارية وتسببت في اختناق القطاع المنظم حيث بينت الدراسات أن السلع المهربة تمثل 7% من جملة الواردات مما يسبب خسارة كبيرة على مستوى القمارق أو الديوانة.
مداخيل هامة للمهربين والمروجين.. !
دراسة أجراها البنك الدولي كشفت أن حجم التهريب مهول حيث بين عبد الرحمان اللاحقة أن حجم السلع المهربة في حدود ملياري دينار وهو رقم مهول وهنا يقول الأستاذ اللاحقة «.. ألف مليار رقم ضخم، وهو ما أكدته دراسة البنك الدولي، وهذا الحجم من التهريب بالإضافة إلى الانعكاسات الصحية للسلع المهربة له تأثير على التشغيل والمؤسسات وهي انعكاسات سلبية يصعب تقييمها لكنها وخيمة بلا شك».
الأثرياء ظهروا أو حققوا مداخيل هامة وأصبح المنتمون لعالم التهريب من مروجين للسلع إلى الواقفين على علميات جلب السلع من الأثرياء رغم ارتفاع نسبة الفقر التي اختلفت فيها النسب بين 24 % حتى 40 % وترتفع هذه النسب خاصة في المناطق المعدومة.. أو المحرومة خاصة أنها أنتجت جيلا جديدا من أصحاب المال..
الفروق في الأسعار ونوعية المواد
ورغم أن التهريب يكثر في ما تسمى بالمناطق المحرومة فإنه لابد من الاقرار أيضا بالفروق في الأسعار بين تونس والبلدان المجاورة مما يغذي ظاهرة التهريب لمختلف المنتوجات التي يتم جلبها بكميات مهولة علما وأن التهريب مع الجزائر أكبر وغير محدد من حيث المعاملات بينما مع ليبيا ثلثي المبادلات مقننة والثلث غير مقنن..
وطالما أن هذه السلع خارج الاطار المقنن لأنها مهربة، فهي أيضا متهربة من المعاليم كما أن أصحابها غير معنيين بدفع الضرائب والأداءات على البضاعة والدخل مقارنة بالمسالك المنظمة مما يدرّ على المهربين والمروجين أرباحا طائلة ما يعني أن المهربين يحتكمون على ألفي مليار غير خاضعة للضريبة تمثل مصدرا للثراء خاصة في المناطق الحدودية أين يكثر تهريب المحروقات وعديد المواد الأخرى على غرار الموز والتجهيزات الالكترونية (مكيفات.. أجهزة تلفاز..) إذ يكفي القول إن خزينة الدولة محرومة من مداخيل تفوق 500 ألف دينار جراء السجائر المهربة..
مقابل كل ذلك تعطلت الحركة التجارية وتأثرت على مستوى عديد المؤسسات سواء من حيث التشغيل فكل شيء قابل للتهريب من أدوية وسجائر ومواد بناء وحتى المواد الغذائية المدعمة تهرب خارج تونس نحو بلدان الجوار (زيت بناني ـ حليب ـ لحوم) ويقف وراء عمليات التهريب أفراد وشبكات قادرة على تمرير سلعها بأي شكل من الأشكال لتغرق بها الأسواق الداخلية حسب الحاجيات والظرف.
يمكنكم قراءة المقال الأصلي على موقع الصباح الأسبوعي