صادق مجلس نواب الشعب في السنة البرلمانية الأخيرة التي انتهت منذ أسبوعين على 39 قانونا منها عشرة قوانين متعلقة بالقروض والمسائل المالية، الأمر الذي يكشف طبيعة الأولويات المُدرجة على لائحة عمل المجلس والتي فرضتها الحكومة نظرا لكون القروض المصادق عليها كانت في شكل مشاريع قوانين، وقد ساعد على تمرير تلك المشاريع التحالف السياسي القائم بين كتلتي الأغلبية في البرلمان (حركة النهضة ونداء تونس).
عشرة قروض هي حصيلة نشاط مجلس نواب الشعب لهذه السنة البرلمانية، تم توقيعها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي والبنك الأوروبي للاستثمار والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والمؤسسة الألمانية للقروض من أجل إعادة الإعمار والجمهورية الإيطالية ومجموعة من البنوك الأوروبية الأخرى، وقد تطلبت جلسات النقاش والمصادقة على تلك القروض في لجنة المالية والتخطيط والتنمية 210 اجتماع دامت على مدى 690 ساعة و45 دقيقة مع 200 ساعة و48 دقيقة تأخير.
ربع موارد الميزانية من القروض
بلغت نسبة القروض الخارجية التي تحصلت عليها تونس سنة 2017 حوالي 6045,0 مليون دينار، كما بلغت نسبة الاقتراض الداخلي لتونس 2460,0 مليون دينار، وبلغ مجموع القروض الجملي 8505,0 مليون دينار أي بنسبة 26,3 بالمئة من مجمل مداخيل الميزانية، بالرغم من أنه كان من المتوقع لعام 2017 أن تكون الموارد المتأتية من القروض 8,960 مليار دينار حسب مشروع الميزانية المقترح من قبل وزارة المالية.
وخُصِّصت أغلب تلك القروض لتمويل مشاريع متعلقة بالبنية التحتية كتطوير وتحسين منظومة مياه الشرب وكذلك التنمية الجهوية الإدماجية وبناء الجسور على الطرق المصنفة ودعم المشاريع في المناطق الأقل نموا وتمويل مشروع إنجاز محطة شمسية فولطوضوئية بتوزر وتمويل مشروع إنجاز محطة توليد الكهرباء بالتربين الغازي ببوشمة. كما شملت تلك القروض أيضا تمويل برنامج مناخ الاستثمار وريادة الأعمال. ربع القوانين التي تمت المصادقة عليها كانت في شكل قروض، الأمر الذي يؤكد أن نشاط البرلمان مرتبط بأجندا الحكومة نظرا لطبيعة الاقتراض المقترنة بتسيير المسائل المالية وهي طبيعة تنفيذية في الغالب.
سياسة الأغلبية الحزبية
يعود التركيز على المسائل المالية في البرلمان إلى سياسة أحزاب السلطة، وبالأساس نداء تونس وحركة النهضة وهما الطرفان المهيمنان على الأغلبية البرلمانية ويربطهما تحالف حكومي قائم على تفاهمات سياسية خارج البرلمان، وقد تأسست السياسة المالية لهذين الحزبين على التوجه نحو الرضوخ لشروط المؤسسات البنكية الدولية والانفتاح الاقتصادي ويظهر ذلك في التوافق المتواصل المرتبط بالقروض والميزانية.
وقد ورد في محضر جلسة استماع لجنة المالية والتخطيط والتنمية لوزير المالية الفاضل عبد الكافي يوم 24 جويلية 2017 حول مشروع القانون عدد 60 المتعلق بالموافقة على مذكرة التفاهم واتفاقية القرض المبرم في أفريل 2017 مع الاتحاد الأوروبي تصريح للنائب علي العريض عن حركة النهضة يقول فيه “أنا موافق على القرض والمسائل المطروحة يمكن النظر فيها عند النقاش في ميزانية 2018”. كما صرح النائب عن نداء تونس منصف السلامي في نفس الجلسة قائلا “إذا كانت القروض موجهة للاستثمار فأنا أدعو إلى رفع نسبة التداين”. وقد تمت المصادقة على القرض في تلك الجلسة بقبول جميع الحاضرين سوى رئيس اللجنة منجي الرحوي.
وفي الوقت الذي يعبر فيه بعض نواب المعارضة مثل منجي الرحوي عن رفضهم لسياسة القروض، لم يرد على مجلس النواب في السنة البرلمانية 2017 أي مقترح قانون يعارض تلك السياسة، ولا يذكر للمعارضة مقترح قانون لإلغاء المديونية سوى من الجبهة الشعبية في السنة البرلمانية الماضية أي بين سبتمبر 2015 وجويلية 2016 بعنوان “مبادرة تشريعية لكلتة الجبهة الشعبية تتعلق بالتدقيق في المديونية الخارجية العمومية التونسية” وقد ورد في الفصل الرابع من المبادرة أن التدقيق في القروض يمكن أن يساعد على تحديد القروض الكريهة، في اتجاه إلغائها.
ويكشف غياب أي مقترح قانون للمعارضة في ما يتعلق بالقروض هيمنة التحالف بين نداء تونس والنهضة على النشاط التشريعي للمجلس من أجل تمرير مشاريع قوانين القروض المقترحة من قبل الحكومة، وقد أدى هذا التحالف الحزبي بين كتلتي الأغلبية (النهضة 69 والنداء 59) إلى تعطيل ممارسة المجلس لسلطة التقرير المالي، إذ لم يرفض أي مشروع قانون متعلق بالقروض بل كانت تلك المشاريع أولوية لدى المجلس نظرا لما أقره الدستور في فصله 62.
وفي المحصلة فإن التشريعات المتعلقة بالقروض هيمنت على النشاط البرلماني في السنة البرلمانية الثالثة التي انتهت منذ أسبوع، وقد كشفت عن عدم توازن بين نواب الأغلبية ونواب المعارضة فيما يتعلق بسياسة الاقتراض الخارجي، وهذا ما يفتح باب التساؤل عن تقييم الدور الرقابي للمجلس.
يمكنكم قراءة المقال الأصلي على موقع نواة