فوجيء التونسيون لدى متابعتهم لتغطية الزيارة التي أداها رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع بلائحة صادرة عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي، اللائحة تحتوي على 11 نقطة جلها لغة إنشائية مملة ومنافقة سئمنا سماعها، من تحية لثورة الشعب التونسي إلى تثمين إنجازاته من دستور جديد وتوافق وطني إلى غيرها من الكليشيات التي يرددها الساسة الغربيون كلما ذكرت تونس. غير أن النقطة العاشرة شكلت عنصر تجديد لم نعتد عليه، وتقول حرفيا :”يدعو مجلس الشيوخ وبقوة الحكومة التونسية إلى عدم دعم أي قرار أو إجراء يميز ضد أو يدين إسرائيل في منظمة اليونسكو أو غيرها من منظمات الأمم المتحدة”.
نغمة الابتزاز هذه مقابل الحصول على بعض الدعم الاقتصادي ليست جديدة، فالاتحاد الأوروبي يربط دعمه بمكافحة الإرهاب والتصدي للهجرة غير الشرعية من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو الضفة الشمالية. وأي دعم؟ مجرد إسقاط بعض الديون التي لا تتجاوز عادة بضع ملايين الدولارات، او تحويل بعض ديون أخرى إلى استثمارات بسيطة لاعانة الشباب على بعث المشاريع الصغرى.
اما الدعم الأمريكي لتونس منذ الثورة فلم يزد عن المساعدات العسكرية في إطار الحرب على الإرهاب (وقد قامت إدارة ترامب مؤخرا بخفضها إلى الربع)، أو تقديم ضمانات قروض لتخفيض تكاليف الاقتراض على تونس “تشجيعا و دعما للتحول الديمقراطي” أو كما كان يقول الرئيس الأمريكي السابق اوباما “التزاما من الولايات المتحدة بدعم عملية التحول التاريخي لتونس″.
كل المساعدات والقروض التي تلقتها الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الثورة والتي تقدر بحوالي 7 مليار دولار (الى 2015) و 5 مليار دولار على مدى 5 سنوات اعتبارا من 2016، كانت محدودة التأثير على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، أولا لأن معظمها خصص لدعم الميزانية أساسا لدفع رواتب القطاع العام و ليس للاستثمار في مشاريع البنية التحتية أو خلق مواطن عمل جديدة، و ثانيا لمكامن الضعف الذاتية في الاقتصاد التونسي.
للانصاف، بعض الشروط الدولية لتقديم العون الاقتصادي لتونس منطقية ومبررة مثل محاربة الفساد والقضاء على البيروقراطية وملاءمة بعض القوانين القديمة لتشجيع الاستثمار، لكن الغالبية الساحقة لشروط تقديم الدعم هي شروط أمنية وسياسية لا تتعلق بعلل اقتصادنا وهي كثيرة، بل هي شروط ترقى أحيانا إلى درجة الابتزاز، تتراوح بين الترغيب والترهيب، بين الوعد والوعيد. مرة يطلب منا انشاء مراكز استقبال لآلاف المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، ومرة تشديد دوريات خفر السواحل التونسية لرصد قوارب الهجرة غير الشرعية. أحيانا تتهم السلطات التونسية بأنها لا تحرس حدودها البرية جيدا مع الجارتين ليبيا والجزائر ويشترط بناء حواجز أو ستار لمنع التهريب وعبور الارهابيين، وأحيانا أخرى تتهم السلطات الأمنية بالتقصير في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الشركاء الأوروبيين جول بعض المواطنين التونسيين المتهمين بالارهاب، لتخفيف الانتقادات ضد الضعف الامني في اوروبا ( مثلما حدث في ألمانيا بعد اعتداء برلين من طرف مواطن تونسي). كل هذه الشروط مكلفة ويتطلب تنفيذها من السلطة التونسية استنزاف تلك المساعدات والقروض أي أن ما يعطى لنا باليد اليمنى يؤخذ منا باليد اليسرى.
تعودت الحكومات التونسية على قبول كل الشروط اعلاه مقابل الحصول على الدعم الاقتصادي، غير أن شروط التطبيع مع إسرائيل ورفض إدانتها في المنظمات الدولية ليست بنفس سهولة القبول والتمرير في زمن بعد الثورة، حيث المعارضة السياسية ترصد الأخطاء والمجتمع المدني يحسب الانفاس على كل سياسي. يوسف الشاهد ولدى سؤاله عن شرط مجلس الشيوخ صرح باقتضاب أن موضوع التطبيع لم يناقش معه وأن النقطة العاشرة على اللائحة المشار إليها لا تعنيه. نحن لا نكذب الرجل لكن المحك الحقيقي لصدق كلامه سيكون في المواقف المستقبلية للدبلوماسية التونسية، وكما أن القبول بالشروط الأمنية السابقة من تونس لم نجن منه أي نفع مادي فإن شروط التطبيع مقابل العون المالي لن تجلب إلا التأزيم الداخلي وضياع الهيبة للدبلوماسية التونسية، مثل حال دول عربية اخرى مازالت تتصارع مع الفقر و الأزمات الاجتماعية بينما ترفرف رايات إسرائيل في سماء عواصمها منذ عقود.
This is only an excerpt. You can read the full article on رأي اليوم