تحوّلت لجنة التحقيق البرلمانية حول شبكات التسفير إلى بؤر التوتّر من لجنة بحث وتقصّ لكشف الحقائق، إلى لجنة لنسف مسار من التوافق السياسي بين الحزبين المتقاسمين للحكم وللنفوذ في ضوء التصريحات الأخيرة بين قيادات من نداء تونس وقيادات من النهضة..
ومنذ المصادقة على تشكيلها موفى جانفي الماضي للتحقيق في الشبكات التي تورطت في تجنيد وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتّر،تحوّلت هذه اللجنة إلى محلّ جدل وتجاذب سياسي واتهامات متبادلة بين عدّة أطراف حزبية،ورغم الدعم النيابي الكبير لهذه اللجنة بعد أنصوّت لصالح إحداثها 132 نائبا بعد تقديم عريضة موقّعة من طرف 94 نائبا من مختلف الكتل لتشكيل لجنة التحقيق هذه والتي تعتبر خطوة برلمانية جريئة للكشف عن خفايا ملف سياسي وأمني خطير طالما كان محلّ اتهامات متبادلة بين عدة أطراف حزبية دون توفّر أدلّة قاطعة عن تورّط هذا الطرف أو ذاك في عمليات تسفير المقاتلين لبؤر التوتّر للقتال صلب تنظيمات إرهابية تنشط في مناطق مختلفة من العالم وبلغ عددهم وفق تصريحات رسمية لوزير الداخلية الهادي مجدوب 2929 بالإضافة إلى عودة 800 مقاتل من بؤر التوتّر.
ورغم الفشل الذريع الذي منيت به أغلب لجان التحقيق البرلمانية السابقة،منذ 2012 تاريخ تشكّل أوّل لجنة برلمانية وهي اللجنة التي كُلّفت بالتحقيق في أحداث 9 أفريل 2012 العنيفة، ورغم عدم وجود قانون لتقنين عمل هذه اللجان البرلمانية الاستثنائية والخاصّة وتحديد صلاحياتها ومهامها كما سبق وحصل مع لجنةالتحقيق في ملف ما عُرف بـملف وثائق بنما بعد أن اعتبرها القطب القضائي المالي قضاء موزايا باعتبار تعهّده بهذه القضية كقضية فساد مالي ولفت انتباه رئيس مجلس نواب الشعب، فان هذه اللجنة كان وضعها مختلفا حيث أن الجدل المثير حولها متأت أساسا من الأهداف التي رسمتها لنفسها واختلاف الأطراف المصادقة على تشكيلها على أهدافها وعلى صلاحياتها في غياب قانون يضمن مهام هذه اللجان وصلاحياتها عدا مشروع القانون المتعلّق بتنظيم عمل لجان التحقيق البرلمانية وتحديد صلاحياتها وإعطائها طابعا إلزاميا إزاء الملفات والأشخاص موضوع التحقيق الذي تقدّمت به الكتلة الديمقراطية.
ورغم الدعم السياسي المبدئي لهذه اللجنة والذي برز من خلال تصويت كل الكتل لصالح إحداثها وتم ضبط تركيبتها وفق موازين القوى داخل المجلس إلا أن الزيارة الشخصية التي أدّاها وفد من نواب المجلس التأسيسي إلى سوريا ومقابلتهم للرئيسبشار الأسد الذي وعد هذا الوفد والذي يمثّل كتلة نداء تونس والجبهة الشعبية وكتلة الحرّة والوطني الحرّ بأنه يضع على ذمة هيئات التحقيق التونسية سواءً البرلمانية أو الرسمية كل إمكانيات الدولة السورية الأمنية والقضائية للتحقيق في ملف التسفير،فجّرت توافق الآراء حول هذه اللجنة والذي هدّد بعض أعضائها بالانسحاب منها.
التوظيف.. «البوز».. الحقيقة
منذ يومين أجرت اللجنة جلسة لتقييم الأوضاع بعد الزيارة الشخصية التي قام بها عدد من النواب ومنهم نائبان عن الجلسة للأراضي السورية، وتباينت المواقف داخلها فهناك من نواب اللجنة من رأى أن تكون جلسات اللجنة القادمة سرّية لتفادي أي اتهامات قد تخرج للعلن وتضرّ بمصداقية أطراف حزبية أمام الرأي العام، كما عبّر عدد من نواب المجلس عن غضبهم بمشاركة نواب من المجلس في زيارة سوريا بما قد يؤثّر سلبا على حياد اللجنة،كما طرح نقاش صلب اللجنة حولمفهوم بؤر التوتّر وتعريف مناطق التوتّر بدقة وهل أن من يشارك في المقاومة ضدّ الكيان المحتل يعتبر مقاتلا في بؤر التوتّر، وما إذا كان موضوع عمل اللجنة له صفة رجعية لما قبل الثورة وقد حُسم هذا الجدل باعتبار أننا نتحدّث عن التسفير بعد الثورة،وبعض النواب طرح مسألة المقاتلين مع النظام السوري ومسألة انحياز اللجنة لطرف مقاتل دون آخر..
وإذا كان الجدال ما يزال متواصلا داخل اللجنة فان الجدال واللغط الذي أثير خارجا يبدو أكثر حدّة وأكثر تأثيرا، فالقيادي في حركة نداء تونس برهان بسيّس المكلّف بالملف السياسي صرّح أواخر الأسبوع المنقضي في تصريح تلفزي أنه يملك مستندات ووثائق تكشف تورط أطراف من الترويكا في تسفير الشباب إلى بؤر التوتر.. مؤكّدا أنه سيعرض ما يملكه من مستندات ووثائق على لجنة التحقيق حول شبكات التسفير إلى بؤر التوتر صلب البرلمان. كما كشف بسيس عن تواطؤ الترويكا وتسليم إرهابي متورط في قتل الطاهر العياري وهو اليوم حر طليق في ليبيا.. وقصد برهان بسيّس بحديثه الليبيين عماد اللواج وحافظ الضبع.
وكانت قبل ذلك صرّحت رئيسة لجنة التحقيق في تسفير الشباب لبؤر التوتّر ليلى الشتاوي التي اتهمتها قيادات بحزب نداء تونس بالقيام بتسريب فحوى اجتماعات الحزب، بأن «هناك تسريبات تتعلق أساسا بالأمن القومي للبلاد مضيفة بأنها أعلمت الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة». ورفضت النائبة الكشف عن المعطيات التي وصفتها بـ»الخطيرة»مؤكّدة أن هناك أطرافا داخل الحزب هددتها وطلبت منها الانسحاب من رئاسة لجنة التحقيق في تسفير الشباب إلى بؤر التوتر وهي أطراف تريد حماية أطراف أجنبية لها علاقة بالملف.
وقد أصرّ النائب حسن العماري عن حركة نداء تونس،أوّل أمس، خلال النقاشات صلب اللجنة على أن تكشف الشتاوي عن الأطراف التي مارست عليها ضغوطات، معتبرا أنه من حقه كنائبوكزميل لها في الحزب نفسه أن يعرف الأطراف التي قامت بذلك.
كما صرّحت أمس النائبة يمينة الزغلامي في لقاء تلفزيوني إن الجلسة التي قررتها اللجنة البرلمانية للتحقيق في شبكات تسفير الشباب لبؤر التوتر يجب أن تكون علنية وفي إطار بث مباشر يسمح لوسائل الإعلام بتغطيتها مهددة بالاستقالة إن لم يتم قبول مطلبها هذا.
وأضافت الزغلامي أنه على المدير العام للحدود والأجانب الحضور خلال أشغال الجلسة مشيرة إلى أن حركة النهضة ستطرح كل المواضيع وستقدم تقريرا ومشروع قانون يرتب لجان التحقيق لأنه توجد ثغرة في القانون تعطل مجرى التحقيقات مثل ما حدث في قضية «باناما» وقالت الزغلامي أن هذه الجلسة ستكون فرصة لحركة النهضة لكي تثبت في إطار الشفافية عدم تورطها في تسفير الشباب مثل ما اتهمت به مشيرة إلى أن الحركة تضررت من الإرهاب وحان الوقت لكشف الحقائق. وأكدت أن حركة النهضة بحوزتها ملفات متعلقةبتسفير الشباب لسوريا وستطلب من وزارة الداخلية وضعها على الطاولة.
وكانت الزغلامي قد طالبت أوّل أمس من كل من النائبين المنجي الرحوي والصحبي بن فرج اللذان شاركا في الزيارة التي قام بها وفد برلماني الأسبوع الفارط لسوريا باستقالتهما من لجنة التحقيق لتتمكن من الاستماع لهما في إطار الحياد على حد تعبيرها وللاطلاع على فحوى هذه الزيارة، وكان القيادي في حزب النهضة عبد اللطيف المكّي قد طرح أيضا مسألة المقاتلين مع نظام بشّار الأسد وما إذا كان هؤلاء يصنفون ضمن المقاتلين المعنية بهم اللجنة في أعمالها.
وانطلاقا من كل هذه التصريحات يبدو أن أعمال وجلسات هذه اللجنة في قادم الأيام ستكون ساخنة وقد يصل الأمر إلى نسف مسار من التوافق السياسي خاصّة بين حزبي النداء الذي عادت قياداته لتوجيه اتهامات ضمنية حول هذا الملف بالذات لحركة النهضة وبين حزب النهضة الذي بدو مستعدّا للمواجهة وواثق وفق تصريحات يمينة الزغلامي من براءته خاصّة وأنه منذ سنوات والحركة متعلّقة بها شبهة التورّط في تسفير الشباب التونسي للجهاد في بؤر التوتّر.
This is only an excerpt. You can read the full article on الصباح