عاد ملف المفقودين من «الحارقين» إلى التراب الايطالي ليطفو على سطح الأحداث من جديد بعد أن تتالت المحاولات وبعد أن سعت عائلاتهم إلى معرفة حقيقة مصير أبنائها.. والذي بلغ عددهم 503… ملف لم يعرف تطورا وتقدما في اتجاه كشف ما آلت إليه الأمور بعد محاولة عدد من التونسيين على امتداد سنتين اجتياز الحدود البحرية بين تونس وإيطاليا في مواعيد مختلفة غرة مارس و14 و29 من نفس الشهر وأواخر شهر أفريل 2011 وآخرها رحلة 6 ـ 9 ـ 2012 حيث كان عدد «الحارقين» 130 نفرا لم يتمكن من النجاة وبلوغ شواطئ لامبادوزا سوى 56 ناجيا.. أرقام مفزعة ومحاولات فاشلة ولوعة وحزن لدى عديد العائلات التي لا يزال أفرادها متشبثين بأمل أن يكون أبناؤهم على قيد الحياة.. أمل قد يتضاعف مع ما طرأ مؤخرا من مستجدات قد تكون الخيط المؤدي إلى معرفة الحقيقة…
حقيقة قد تكتشفها العائلات بعد عدة محاولات للضغط من أجل كشفها..باءت أغلبها بالفشل وفي ظل المجهودات المبذولة من طرف المجتمع المدني جاءت النتائج على قدر هذا المجهود إذ تمكنت جمعية «الأرض للجميع» من الحصول على أشرطة فيديو تم بواسطتها توثيق وصول عدد من الحارقين التونسيين إلى الأراضي الإيطالية وتحديدا بلامبادوزا.
«الصباح الأسبوعي» اهتمت بالمسألة بعد أن عاينت احد هذه الأشرطة وبحثت في الأمر من خلال اتصالها برئيس جمعية الأرض للجميع عماد السلطاني والذي أكد في بداية حديثه أن عمل الجمعية كان من أجل كشف حقيقة مصير ما يقارب 503 من الحارقين والمختفين..
تكوين لجنة تونسية للبحث عن الحقيقة
مجهودات جبارة على امتداد 4 سنوات وصعوبات في الوصول الى خيط الامل خاصة بعد أن تم امضاء اتفاقية بين الحكومة التونسية ونظيرتها الايطالية يوم 7 أفريل 2011 والتي تنص على ترحيل كل مواطن تونسي يصل الى الأراضي الايطالية بطرق غير شرعية مضيفا بالقول «اتفاقية صعبت مهمتنا لتتالى الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية لعائلات المفقودين وصلت حد التهديد بالانتحار الجماعي بعد أن تمكنت عديد العائلات من الوصول الى التراب الايطالي بحثا عن أبنائها.. ومع تزايد الاحتقان لدى أهالي المفقودين تم بعث لجنة تضم ممثلي عدد من الوزارات وكذلك عدد من ممثلي المجتمع المدني وممثل عن العائلات.. وقد التزمت هذه اللجنة بأن تتوصل الى إيجاد جواب مقنع لسؤال ظل شعارا لهذه العائلات الملتاعة.. «أولادنا وين؟» وذلك في ظرف سنة واحدة، وذلك حسب ما جاء بالرائد الرسمي ورغم مرور أكثر من سنة فإن النتائج المتحصل عليها لم تكن في مستوى انتظارات العائلات بل ظلت مقتصرة على ضرورة الانتظار مما دفعنا كطرف فاعل بالمجتمع المدني إلى الضغط على كل من له علاقة بالمسألة إذ رفعنا قضايا ضد الطرف الايطالي كما تمكنا من تمتين العلاقات مع المجتمع المدني الايطالي لمزيد الضغط وآخرها تقديم ملف حول المفقودين لدى الاتحاد الأوروبي».
إعادة فتح الملف
سألت محدثي عن النتائج المتحصل عليها بعد كل هذه التحركات فأجاب بالقول: «لقد التزمت الحكومة الايطالية بإعادة فتح الملف وذلك ببعث مكتب خاص بالمفقودين بصفة عامة مقره تابع لوزارة الداخلية يرأسه بيشتال وهو عضو حكومي وقد تعاطف مع محتويات الملف الذي مكناه منه مما جعله يبدي استعداده للتعاون مع الطرف التونسي ممثلا في جمعية «الأرض للجميع» وكل من وقف معنا لمساعدة عائلات المفقودين».
محدثنا أكد أن هذا التعاون كان نتيجة ما توصلت اليه الابحاث من أن المستندات والمعطيات التي توفرت لدى اللجنة تؤكد على وصول «الحارقين» إلى التراب الايطالي لكن ورغم مرور 18 شهرا فإن اللجنة لم تجد المساعدة من الطرف التونسي خاصة انها قد طلبت منها عدة معطيات كالبصمات وadn وعدد من الوثائق التي قد تساعد على كشف حقيقة مصير الحارقين المفقودين مما دفع بلجنة بيشتال إلى تحميل الطرف التونسي المسؤولية في عدم تقدم البحث وخاصة في ما يخص الاتفاقية الممضاة بتاريخ 7 افريل 2012 والتي على ضوئها تم ترحيل 8000 تونسي من الأراضي الايطالية في ظروف غامضة.
معاينة 7000 صورة لمن وصلوا سالمين
وحول تحرك الجمعية بعد أن وجدت الدعم من طرف لجنة بيشتال اكد محدثنا انها – أي الجمعية ـ قد تجرأت على مساءلة الحكومة الايطالية عبر اللجنة عن الوجهة التي تم ترحيل 8000 تونسي لها ومن هم هؤلاء؟ فكانت الإجابة بأن مكنوها من الدخول إلى مركز جمع المعلومات الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين من تاريخ مارس 2011 وذلك لأجل معرفة الذين وصلوا فعلا إلى التراب الايطالي عبر بطاقات العبور والتي تضم صورا لمن عبروا. وقد تم معاينة 7000 صورة من طرف باحثة ايطالية وكذلك الحقوقية فريدريك سوسي ومحام ايطالي. هذه العملية تطلبت 3 ساعات من التثبت لكن ذلك لم يكن كافيا في غياب عائلات المفقودين الذين هم بامكانهم التعرف على ابنائهم دون غيرهم وذلك ما جعلنا نطالب السلط التونسية وبخاصة اللجنة التي تكونت للغرض بضرورة الإسراع في مواصلة البحث بما وفرناه لها من مستجدات ـ مضيفا بالقول: «مجهودات الجميع اليوم وبعد مرور أكثر من 4 سنوات تظل من اجل إظهار حقيقة ومصير عدد كبير من الذين لا يزالون في عداد المختفين أو المفقودين لذلك واصلنا نشاطنا كمجتمع مدني خاصة أن قضية المفقودين وجدت صدى لدى المجتمع المدني الايطالي لتثمر خلال الفترة الأخيرة تقدما على مستوى جمع المؤيدات التي قد تساعد الأطراف المسؤولة سواء بتونس أو بإيطاليا.
فيديوهات للتوثيق
وفي هذا الصدد ذكر محدثنا أن أحد أعضاء الجمعية والذي تربطه علاقة بأطراف حقوقية بايطاليا ومن بينها ناشطة بالمجتمع المدني كانت على اطلاع بمجريات الأحداث في علاقة بالهجرة السرية،هذه الأخيرة صادف وأن تمكنت من توثيق بواسطة كاميرا فيديو عمليات وصول وترحيل المهاجرين غير الشرعيين من منطقة لامبادوزا وهي مأخوذة بعد جانفي 2011.. هذه الوثيقة وإن كانت غير مؤرخة فإن ما ظهر بها من أشخاص قد يكون من بينهم من ظل مفقودا لحد اليوم.. وإذا كان جميعهم موجودين على التراب الايطالي أو غادروه لوجهة أخرى معلومة فهذا لن يمنع العائلات من التثبت عسى يكون احدهم من الذين ظلوا في عداد المفقودين خاصة أن نوعية الصورة جيدةHD. وثيقة مدتها أكثر من 42 دقيقة قد تكون سببا في عودة الأمل لدى عائلات لازالت تبحث عن إجابة لسؤالها «أولادنا وين؟».
لقراءة الخبر من المصدر اضغط على الرابط