لم تجد حكومة الحبيب الصيد القبول المطلوب سياسيا ووطنيا، بسبب ماقيل عدم ابلاغ بقية مكونات المشهد السياسي بتشكيلته، واعتماده على وجوه موضوع جدل، لكن هل وفّق في وزارات السيادة، وهي مفاصل الدولة.
وزارات السيادة التي توصف بأنها مفاصل الدولة وسبب قوتها أو وهنها، وهي الداخلية والدفاع والعدل والخارجية، الأولى وُضِع على رأسها قاضٍ شغل منصب والٍ بالمهدية، وكان رئيس المحكمة الابتدائية بالقصرين، وقد أثار تعيينه جمعية القضاة التي اتهمته بالوقوف الى صف الانقلابيين على الشرعية سنة 2005، والدفاع فرحات الحرشاني وهو الأستاذ الجامعي وعميد كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس ووزارة العدل والشؤون العقارية محمد الصالح بن عيسى الذي شغل منصب كاتب عام الحكومة في حكومة السبسي الأولى بعد الثورة وهو جامعي وعميد سابق لكلية الحقوق والخارجية، الطيب البكوش القيادي بنداء تونس والحقوقي والجامعي المعروف.
ما يربط بين وزارات السيادة وخاصة العدل والداخلية والدفاع، هو قضيّة الارهاب والمسألة الأمنية، فوزارة العدل هي المخاطب للقضاة والمحامين والمشرفة على السجون، أمّا الداخلية والدفاع فهما وزارتان في صف المواجهة الميدانية الأوّل، لذلك كانت مطالب الأمنيين والمجتمع المدني بضرورة توفير الضمانات القانونية اللازمة للأمني في مكافحة الارهاب.
الاشكال المطروح، هل أنّ الأسماء المقترحة قادرة على آداء دورها بشكل أفضل مما كانت عليه، بمعنى هل الوزراء الجدد خاصة الدفاع والداخلية ثم العدل لهما القدرة على ادارة مؤسساتهم في ظلّ حالة تشبه حالة الحرب.
بالنسبة الى وزير الدفاع المقترح فرحات الحرشاني وهو جامعي معروف وكفاءة وطنية في المجال القانوني، وتخرّجت على يديه أجيال من القانونيين، قد لا يجد مشكلا يذكر، خاصة أن خطته هي مجرّد خطة سياسية، في حين تتم ادارة الشأن العسكري من طرف الكوادر العسكرية من جنرالات وضباط، يبقى الوزير مجرد مقدم اوامر ادارية وترتيبية، وهو جهة سياسية أكثر من كونه جهة تقنية.
المشكل في وزير الداخلية، الذي اثار حول نفسه ضجّة كان يمكنه تفاديها، اذ ان تسرّعه وخروجه للمواجهة الاعلامية حتى قبل تنصيبه ودفع تهم عنه لم تكن موجّهة اليه أصلا، جعله يجلب الانتباه وتتمركز حوله الاتهامات، حتى أنه تحوّل من وزير مقترح في حكومة الى مفتاح لاسقاط الحكومة.
أما بالنسبة الى قضيّة الآداء، فهو قاض له دراية بالقانون، ولكنه في صورة بقائه على رأس الوزارة سيجد نفسه في مواجهة مؤسسة شديدة التحرّك وأمام نقابات قويّة متصارعة تعيش من خلالها المؤسسة الأمنية حالة تجاذب كبيرة، هذا من الناحية الهيكلية أما من الناحية السياسية والأمنية فأمامه ملف الاغتيالات وخاصة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، الملفان اللذان أسقطا حكومتي الجبالي والعريض.
بالنسبة الى وزير العدل محمد الصالح بن عيسى، فهو ابن المرفق العدلي، جامعي معروف، ولكن ذلك لا ينفي أنه سيواجه قضايا كبرى خاصة بالنسبة الى المحامين الذين يعانون الكثير من المشاكل خصوصا الشبان منهم، كما أنه سيكون أمام مؤسسة قضائية منقسمة بين جمعية تمكنت من التمرس بالصراع والقدرة على المناورة وتحقيق المكاسب ونقابة فتية استطاعت أن تجد سريعا موقعا داخل الفضاء القضائي النقابي. المشكل الأكبر بالنسبة الى وزير العدل هو قضيّة السجون، هناك حيث يقبع أخطر المجرمين في الحق العام وفي القضايا الارهابية، فهو يواجه حالة امنية حساسة داخل المؤسسة السجنية التي مازالت تعاني الكثير من القضايا والتي تحتاج اصلاحات جوهرية.
بالنسبة الى وزير الخارجية الطيب البكوش، أمامه اعادة ترميم ما دمرته سياسة الترويكا خلال الثلاث سنوات الماضية وخاصة العلاقة مع سوريا ومصر والسعودية والامارات العربية المتحدة وقطر والجزائر وليبيا وأوروبا والولايات المتحدة الامريكية والصين وافريقيا، كما يواجه هو أيضا مهمة الدعم الاقتصادي وحلب الاستثمارات والتعاون الدولي في مكافحة الارهاب.
الاّ أن الاشكال الأكبر بالنسبة الى الأسماء التي اقترحها الحبيب الصيد لوزارات السيادة هو قصر قرطاج، هل يمكن لهم العمل باستقلالية في حكومة هي نتاج فوز حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية، وازداد قوة بفوز مرشحه الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية، وهو ما جعله يكون الرجل الأقوى وحارس المعبد في السلطة وهو الواقف وراء كل التفاصيل من التعيين الى البرنامج فالفعل والاداء، هل يستطيع مثلا وزير الداخلية أن يتخذ قرارات أمنية بمعزل عن قصر قرطاج حيث يقبع الحاكم الأكبر في تونس. الامر بالنسبة الى المتابعين يتعلّق بمدى قدرة الحكومة على ان تحقق انسجاما بين أعضائها وان تتجاوز الانسجام الى الفعل والقدرة على النجاعة، وهو ما يمكن أن يحصنها من امكانيات الضعف والوهن
لقراءة الخبر من مصدره اضغط على الرابط التالي