قدّرت صحيفة «لوموند» الفرنسية في مقال صادر سنة 2007 عدد أعوان الامن في تونس بـ 150 ألف شرطي لتعود في مقال آخر لها صادر سنة 2011 وتنزل بهذا الرقم الى 40 ألف عون. تضارب يطرح أكثر من سؤال حول العدد الحقيقي للأمنيين ومشاكلهم.
رغم غياب معطيات دقيقة تتعلق بعدد الاعوان والضباط المنضوين تحت لواء قوات الأمن الداخلي في تونس الا انه وبالعودة الى عدد المنخرطين في النقابات المختلفة للأمنيين بمختلف أسلاكهم يمكن تقدير هذا العدد بـ 60 ألف عون وضابط وضابط سامي موزعين على القطاعات الستة المشكّلة لقوات الأمن الداخلي وهي الأمن الوطني والحرس الوطني والسجون والاصلاح والديوانة والحماية المدنية والفوج الوطني لمجابهة الارهاب علما أن السجون والإصلاح والديوانة هي قطاعات تعود بالنظر إداريا الى وزارة المالية لكن بحكم أنها أسلاك حاملة للسلاح فإنها وعلى هذا الأساس تعدّ جزءا من قوات أمننا الداخلي.
وبالعودة الى التضارب في الأرقام بخصوص العدد الحقيقي للأمنيين في تونس يمكن القول بأن القانون عدد 70 المؤرخ في 6 أوت 1982 ساهم بشكل كبير في إضفاء صبغة من الغموض على عمل وزارة الداخلية بصفة عامة حيث نص صراحة على عزل أي عون أو ضابط في صورة افشائه لأي معلومة مهما كانت بساطتها بل وذهب الى حدّ إحالة المفشين للسر على مجالس التأديب والمحاكم المختصة كما نصّ هذا القانون على التحجير التام لأي نشاط نقابي للأمنيين لتتحول وزارة الداخلية الى قلعة يستحيل اختراقها وبدأ مسلسل نسج الروايات والأساطير حولها الى حد الجزم بأن عدد العاملين فيها تجاوز المائة والخمسين ألف عون وإن خدم هذا الغموض السلطة السياسية آنذاك فإنه عتّم على مشاكل الأمنيين وهمّش أبسط حقوقهم.
للانفجار…
انقلب الغضب الشعبي على الأمنيين بعد أحداث 2011 الى نوع من التعاطف بعد اكتشاف المواطنين للأوضاع الاجتماعية المزرية لأعوان الأمن وخاصة لعددهم الحقيقي ومع تنامي ظاهرة الارهاب واستشهاد العديد منهم تحوّلت مطالب نقاباتهم المختلفة الى ما يشبه المطلب الشعبي في تونس في علاقة بتحسين ظروف عملهم وتمكينهم من التجهيزات اللازمة لأداء مهامهم على الوجه الأكمل لكن السلطة السياسية لم تتجاوب بالشكل المطلوب مع هذه المطالب ليبقى السلاح الوحيد المتوفّر لدى عون الأمن عزيمته من جهة والعقيدة الأمنية من جهة أخرى.
وفي آخر بلاغ صادر عن النقابة الوطنية لقوات الامن الداخلي بتاريخ 14 جوان 2014 عادت تلك المطالب لتطفو على السطح في علاقة خاصة بإصلاح المنظومة الأمنية والسجنية وتعصير أدوات عمل الأمنيين العاملين على الميدان بداية من الزي الى السلاح والنقل وحتى الوجبات المقدمة سواء داخل الوحدات او للدوريات المنتشرة في كامل تراب الجمهورية فالزي الحالي لم يعد يناسب متطلبات المرحلة في سياقاتها الأمنية والعملياتية ناهيك أنه في بعض الظروف يضطر الأعوان الى قضاء أكثر من يومين دون أخذ نصيب من الراحة في ظروف مناخية أكثر من قاسية وفي مناطق وعرة كالجبال والصحراء بالنسبة الى المراكز الحدودية المتقدمة وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنه أكثر ما يعاني منه العون هو نوعية الحذاء التي تضرّ أكثر مما تنفع خصوصا إذا ما علمنا أن غالبية الوحدات المنتشرة على الميدان هي من المشاة بالمعنى الحقيقي للكلمة الى ذلك تحوّل أسطول العربات الى خطر حقيقي يهدّد حياة الأعوان لتقادمه وتهرئه وغالبا ما تصاب السيارات بأعطاب أثناء عمليات مطاردة المهرّبين والارهابيين والمجرمين الأمر الذي عادة ما يحوّل دوريات بأكملها الى فريسة سهلة خاصة مع انتشار الأسلحة في صفوف العصابات بجميع أصنافها.
ويضطر الأعوان المنتمين الى وحدات الحرس الوطني الحدودي الى طهي أكلهم بأنفسهم والتقشف في استعمال الماء الى الحدّ الأدنى بسبب بطء التموين وضعف المنظومة اللوجستية التي تخضع لها مراكز الحرس الوطني الحدودي والحال ذاته بالنسبة الى أعوان الأمن والحرس المروري الذين لا تتناسب تجهيزاتهم وأزياؤهم مع طبيعة المهام التي يؤدّونها.
لغز الصدريات
ان كان ثمة من لغز يحيّر التونسيين عموما والأمنيين بشكل خاص هو ذلك المتعلق بتوفير الصدريات لأعوان الأمن أثناء قيامهم بمهامهم وفي وقت تؤكد فيه مصالح الداخلية بأن عملية شراء الصدريات الواقية من الرصاص تتطلب وقتا كافيا والعثور على مزوّدين والى غير ذلك من الذرائع قمنا في جريدة «الشروق» ببحث بسيط على الأنترنات لم يتطلب أكثر من دقيقة لنعثر على مئات الشركات المصنّعة للصدريات وتعرضها للبيع وبكميات غير محدودة للعموم ويكفي القيام بعملية الشراء لتصلك في اليوم التالي (أنظر الصورة) لذلك فإن أسئلة عديدة تطرح نفسها حول تباطؤ وزارة الداخلية في شراء ما يكفي لتجهيز أعواننا علما أن ميزانية وزارة الداخلية بعنوان سنة 2014 بلغت 2279.824 مليون دينار ومن المؤكد انه ما من تونسي سيعارض تخصيص مليار ونصف من المليمات لشراء 20 ألف صدرية واقية من الرصاص إذا ما اعتبرنا سعر الصدرية بـ 70 دينارا حسب عرض احدى الشركات الفرنسية على الانترنات.
وفي المحصّلة فإن الشعارات التي ترفعها السلطة السياسية في علاقة بإعادة الأمن الى البلاد لا تتماشى وذات الحرص على تعصير أدوات العمل والتجهيزات الموضوعة على ذمة الأمنيين وتلك حكاية أخرى.
مطالب وغموض
في رصد لجملة المطالب التي تقدمت بها النقابات الأمنية منذ بداية المواجهات بين وحدات الأمن والعصابات المسلّحة في تونس رصدنا 10 بيانات صادرة عن النقابات تطالب بتوفير سترات واقية من الرصاص لأعوان الأمن وآخرها على هامش عملية القصرين والتي استهدفت منزل وزير الداخلية السيد لطفي بن جدّو حيث نددت النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي ببطء الحكومة في تجهيز الأعوان بالصدريات مبدية استغرابها من الأعذار المقدمة في هذا المجال بخصوص إيجاد مزودين والقيام بطلب العروض والحال أنه مرّت ثلاث سنوات على أول عملية إرهابية في تونس.
تاريخ الصدريات
يعود تاريخ الصدريات الواقية من الرصاص الى سنة 1881 لما اكتشف الطبيب الأمريكي جورج إموري أن منديلا من الحرير ساهم في منع رصاصة من الوصول الى قلب أحد المشاركين في مواجهة نارية مما يعرف بتحدي الشرف (Duel) ثم استغل العالم الأمريكي سازمير زيڤلان هذا الاكتشاف لصنع أول صدرية واقية من الرصاص مصنوعة من الحرير والتي بقيت مستعملة الى حدود سنة 1900، لكن هذا الجيل من الصدريات سوف يترك مكانه للصدرية M-1651 والتي صنعها الأمريكيون من معدن إيتشان في الستينات لتتطور شيئا فشيئا وتأخذ شكلها الحالي وتتكفل مؤسسة NJI الأمريكية بتحديد المعايير العلمية والفنية اللازم توفيرها لتجهيز القوات الأمريكية من جيش وأمن فيدرالي وهي نفس المقاييس المعتمدة عالميا.