تحديات الأمن والجيش بعد الثورة.. المواجهات مع العنف والإرهاب في مرحلة بناء الديمقراطية.. وسياسات «لينة» مع المتطرفين قبل اعلان أنصار الشريعة تيارا ارهابيا أخيرا… هي جملة من النقاط التي طرحتها ندوة «واقع الأمن الشامل في تونس بعد ثلاث سنوات من الثورة» أمس.
كشف منتدى المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل عن التحديات الأمنية للبلاد والتي برزت بعد الثورة.
وتحدث المختصون عن تغير العلاقة بين الأمني والسياسي والمواطن وسط بحث عن معايير جديدة وطرق تعامل مختلفة تتفق مع القيم الديمقراطية وتدين الممارسات القديمة. وأكد الحاضرون ارتفاع نسبة الجريمة وتضاعف الخطر الارهابي مع تصاعد التطرف وبروز الاغتيالات السياسية… وتمديد حالة الطوارئ.. هي تحديات جديدة يعيشها الأمن التونسي والمؤسسات العسكرية في وسط يتميز بحرية الإعلام ورفض العنف والممارسات القمعية القديمة، مع ضبابية وعدم «حزم» في تعامل الحكومة مع المتشددين وملف الارهاب في البداية قبل تصنيفهم كإرهابيين.
الندوة كشفت حقائق وفصلت تاريخية الوقائع الأمنية… وأبرزت تحديات سياسية وأمنية وفكرية لمواجهة المرحلة القادمة مع تأكيد على بداية استرجاع السيطرة أمنيا!!
مازن الشريف (خبير استراتيجي)
أينما حل التكفيريون… حل الخراب !
تغيّرت تركيبة مفهوم الأمن من أمن الدولة فأمن المجتمع ثم أمن الفرد، الى اعتبار أمن الفرد أولوية بعد الثورة.
لقد ساهم إغلاق منافذ التعليم الديني ونشر الفكر الزيتوني في إحداث فراغ استغلته المرجعيات الفكرية المتشددة وخاصة الوهابية.. واستثمروا الفراغ للحرق والتخريب.. وتمّ تحويل الشاب «الغرّ» الذي لا يفهم الى شاب يقتل.
غياب الجانب العقائدي ذي المرجعية القوية إضافة الى الضعف الاقتصادي من المسائل التي تهم الأمن الشامل، فهناك ضعف في مستوى الاستشراف والتوقي عند الدولة.
الأكيد أنه حيثما حلّ الفكر التكفيري حلّ معه الخراب.. ويمكن تفسير حالة الشباب التونسي بحالة فوبيا المكان الناجمة عن الفراغ الروحاني وهو ما جعل البعض يستغل مشاكله ويكون سهل الاختراق.
لقد قام أصحاب الفكر التكفيري بسلسلة من الحروق.. فحرق الزاوية هو ضرب للأمن الروحي للتونسي وضرب للعقيدة الأشعرية.. وقتل الجنود ضرب للمناعة والعقيدة الأمنية وضرب السياحة هو ضرب للمستقبل، انه من الخطر توغل هذه المجموعات لتضرب أفكار النشء في رياض الأطفال.
على السلطة أن تعي أنها أخطأت منذ تفريطها في المساجد.. وبالتصريحات حول سوريا.
وسيسعى المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل الى خلق منظومة من الخبراء والأمنيين والعسكريين لوضع استراتيجية تحمي البلاد وسط تحالفات دولية جديدة تجمع إيران بأمريكا.. ومصر مع روسيا وغيرها من التحالفات والتغييرات التي يجب أن يستشرفها السياسيون.
نصر بن سلطانة (رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل)
قيادات سياسية تدعم وتهادن !
من أبرز الاشكاليات التي يعيشها الأمن هو غياب تحديد واضح للمصالح الوطنية والأولويات المتعلقة بعقلية الأمن الشامل وذلك من خلال إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية والتنمية الاقتصادية. ولاحظ أن هناك غيابا في التنسيق بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية في قضايا أمنية تتطلب توحيدا في الموقف وتحديد الرّؤى.
وأضاف بأن هناك تداخلا في الصلاحيات فمثلا وجدنا وزير الشؤون الدينية يعبر عن مواقف تهمّ وزير الخارجية. من جهة ثانية برز التناقض بين سياسة أمنية تضيق على المتشدّدين دينيا في المقابل برزت سياسات «مهادنة» وعلاقات دعم من قيادات سياسية وهو ما أفرز خللا.
وأكد رئيس المركز التونسي للأمن الشامل أن تواصل شكايات ومثل هذه الوضعيات لا يمكن أن يساهم في استقرار الأوضاع وتحقيق التنمية المنشودة رغم كل النوايا الطيبة.
عبد الوهاب الهاني
80٪من التونسيين لا يشعرون بالأمن
عندما حصلت يوم 16 جانفي من السنة الماضية عملية ارهابية في الجزائر طالعتنا ثلاثة بيانات متعارضة قلصت من أهمية ما وقع… وجعلت تونس في حيرة حول موقفها من حادثة ثلث مدبّريها من التونسيين.. وبعدها حدثت جريمة اغتيال شكري بلعيد. 2013 هي سنة الأزمة السياسية… والدولة لم تكن بالاستباق لمحاربة الارهاب.. أما اشكاليات الدولة فتعمقت مع ثلاثي حاكم والتنظيم المؤقت. اللافت للانتباه هو ان ثلث التونسيين يحنون للنظام القديم. و80٪ لا يشعرون بالأمن.. و60٪ يجدون الأمن في منزلهم أو أحيائهم فقط.. وعلى السلطة ان تعمل على وحدة الدولة وتواصلها وحماية الأمن. لقد أخطأت السلطة بعد الثورة في ادارة الصراع السياسي ودفعت نحو اقصاء الآخر، وأخفق النظام في خلق ثقافة التعايش. انظروا الى بيانات الحزب الحاكم انها تدفع نحو العنف واقصاء الآخر بالحديث عن أعداء الثورة وأعداء الوطن. لقد فشلت السلطة في اعادة التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الواحد بعيدا عن الأساليب القديمة الاقصائية والدكتاتورية.
العميد مختار بن نصر
نحو اخضاع الجيش للمراقبة البرلمانية
واجه الجيش التونسي تحديات كبيرة بعد الثورة وخلال ثلاث سنوات… لقد اندلعت ثورة شعبية غير مؤطّرة… قدمت درسا تونسيا للعالم واختار الجيش أن يكون في صف الشعب.
لقد شهدت المؤسسة العسكرية تحوّلات وتأثيرات متضاربة وما يمكن ملاحظته هو انها تعاني من مركزية مفرطة وغياب للعمل بالأنظمة المعلوماتية وغير متطورة… وهناك تخوف كبير على السر العسكري.
إن الدفاع الشامل يشمل الدفاع عن الاقتصاد والتنمية والدفاع العسكري والمدني، وأؤكد أنه لم يدخل جندي أجنبي واحد الى تونس على عكس كل الاشاعات لأن ثوابت الجيش الاعتماد الذاتي والتوقي واليقظة… وتطوير قدرات القوات المسلحة.
وأضاف بأن دور الجيش بقي حياديا وبعيدا عن السياسة، وساهم الجيش في حماية المؤسسات واللاجئين (حوالي مليون و700 ألف لاجئ من 140 جنسية).
وكان التحوّل بعد الثورة في المؤسسة العسكرية بانضمام تونس للمركز الديمقراطي للقوات المسلحة… وتقديم طلب رسمي للمجلس التأسيسي للمراقبة البرلمانية. وتحدث العميد بن نصر عن تمديد حالة الطوارئ الى جوان 2014 وهو ما يعني تواصل مهام الجيش كما توسعت مهامه في 10 ماي منها القصرين وسيدي بوزيد وقفصة لتحسين أدائه في التفتيش وملاحقة الارهابيين… وتغير سنة 2012 عدد من قيادات القوات المسلحة في حين بقيت خطة قائد أركان الجيش خالية الى اليوم بعد استقالة رشيد عمار…
ومن مطالب الجيش احداث ديوان المظالم للبت في تجاوزات السلطة ومحاربة الفساد، اضافة الى ضرورة ضبط قوانين لاخضاع المؤسسة العسكرية الى الرقابة البرلمانية.
ولاحظ أنه من المطلوب تعزيز دور المؤسسة العسكرية في حماية وتعزيز النظام الديمقراطي وذلك من خلال جملة من الاصلاحات.
رفيق الشلي (محافظ عام ومدير عام الأمن الوطني سابقا)
15٪ فقط من الأسلحة المهرّبة إلى تونس تم استرجاعها!
تحديات كثيرة واجهت الامن منذ اندلاع الثورة ومع انطلاق حملات الايقافات التي مست يساريين وطلبة وهو ما تحقق في موجة الاحتقان.. وأصبحت هناك حساسية بالغة ضد الامن وتوجهت نحوه أصابع الاتهام بالانتماء إلى نظام دكتاتوري… وقد تكونت لجان الأحياء بعد حالة العصيان المدني وفقدان جهاز الامن لقدرته على السيطرة وتخليه عن مهامه.
وأضاف السيد رفيق عائدا بالذاكرة الى ما بعد 14 جانفي 2011 أن الجريمة انتشرت خاصة مع هروب 11 ألف سجين ومع خروج 40 إطارا أمنيا الى التقاعد الاجباري وسقوط القذافي ودخول السلاح بأنواعه الى تونس وتطوّر التهريب وانتشرت وقتها معسكرات تدريب الشباب على استعمال الأسلحة في أماكن مختلفة من البلاد وواصلت التيارات المتشددة استقطاب الشباب وبرزت الحركات الدعوية باستعمال اللافتات السوداء الداعية الى دولة الخلافة والشريعة.
وبعد ان لخّص تاريخية ما واجهه الأمن أضاف مدير الأمن السابق انه ومن خلال دراسة أمريكية فإن ما وقع استرجاعه من أسلحة دخلت تونس بعد الثورة لا يمثل الا 15٪ فقط من السلاح المهرب حسب خبراء أمريكا.
واعتبر ان ناقوس الخطر تم دقه مع بروز الجريمة السياسية وعدم اتخاذ السلطات السياسية الاجراءات اللازمة خاصة مع شعور الحزب الحاكم بأنه مستهدف وبعد هذه الجريمة جاء تصريح راشد الغنوشي (أطلقنا يد الداخلية). وأضاف أن مشاكل الأمن في مواجهة الارهاب والجريمة ترتفع مع التهميش والفقر والبطالة والفراغ الروحي والأمية وسيطرة الارهابيين على المساجد. تم خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2013 تسجيل 147525 قضية بارتفاع بـ 8511 قضية مقارنة مع سنة 2012 اي بزيادة 6٪ اي بمعدل 3 جرائم في الساعة.
أما في ما يتعلق بجرائم المخدّرات فقد تم تسجيل ارتفاع بـ 194٪ في القضايا حيث حصلت 2633 قضية. كما تطوّرت قضايا السرقات لتصل الى 643 قضية.. وتطوّرت قضايا التهريب.. لتصل الى 780 قضية.
ولاحظ السيد رفيق الشلي ان جرائم العنف قد تطوّرت لتصل الى 23031 قضية اي بارتفاع بـ 4440 قضية مقارنة مع 2012.
واعتبر ان هناك تطوّرا في أداء الامن اضافة الى إرادة سياسية في مقاومة التهريب.
وأضاف أن هناك حوالي 11025 سجينا فارّا منذ 2011 منهم 1833 لم يعودوا… وقامت وحدات الأمن بإيقاف 50433 من المفتش عنهم.