أعلن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال التونسية عبد الكريم الزبيدي، إعتذاره عن المشاركة في الحكومة التونسية الجديدة التي يسعى وزير الداخلية علي العريض إلى تشكيلها، بسبب الضبابية التي تلف المشهد السياسي في بلاده.
ويأتي هذا الاعتذار عشية جولة جديدة من المشاورات السياسية لتشكيل حكومة تونسية جديدة برئاسة علي العريض خلفاً لحكومة حمادي الجبالي، الذي استقال من منصبه بعد إجهاض اقتراحه المتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط لإخراج البلاد من المأزق السياسي الذي تعيش فيه.
وقال عبد الكريم الزبيدي في تصريح بثته قناة ‘نسمة’ التلفزيونية التونسية الخاصة ليلة الثلاثاء-الأربعاء، إنه اجتمع مع رئيس الحكومة المُكلف علي لعريض الذي طلب منه مواصلة مهامه في وزارة الدفاع، ولكنه اعتذر عن ذلك.
وأضاف أنه أكد لعلي العريض عدم إمكانية الاستمرار في مهمته كوزير للدفاع لعدة أسباب، منها أن ‘الأوضاع في البلاد ليست واضحة، بل ضبابية بسبب عدم وجود خارطة طريق واضحة تقودنا إلى انتخابات في أسرع وقت’.
وكان الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي قد كلف علي لعريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي من منصبه بسبب رفض مبادرته المتعلقة بتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة ما تبقى من المرحلة الإنتقالية، وتحضر المناخ الملائم للانتخابات المرتقبة.
واعتبر الزبيدي في تصريحه أن اعتذاره عن الإستمرار في منصبه كوزير للدفاع لا يعني أبداً أن له ‘أجندة سياسية أو اعتبارات شخصية، ذلك أن كل ما في الأمر، أنني قمت بمهمتي التي هي واجب مقدّس’.
وكرّر أن السبب الرئيسي الذي دفعه إلى التخلي عن منصبه هو انعدام وضوح الرؤيا، حيث قال ‘هناك ضبابية كبيرة، بل تامة، وقد ظهر بالكاشف أن فترة الحكومة الثانية التي قادها حمادي الجبالي تميّزت بعدم الاستقرار، وانعدام الوضوح على عكس الحكومة الأولى التي قادها الباجي قائد السبسي’.
وأشار في هذا السياق إلى أن أفراد المؤسسة العسكرية منتشرون في كامل أنحاء البلاد منذ أكثر من عامين، وهذا أمر في غاية الخطورة لا سيّما وأن في تاريخ المؤسسات العسكرية مثل هذا الإنتشار لا يتواصل أكثر من 3 أشهر.
واعتبر أن مثل هذا الانتشار جعل المؤسسة العسكرية التونسية ‘تاعبة، وليس لها الجاهزية تامة، خاصة وأن الجميع يعرف أن تحديات موضوعية كبيرة تواجه البلاد من الداخل، وكذلك أيضاً من الخارج ما يعني ضرورة تكاتف الجهود لرفعها’.
ولفت في هذا الصدد إلى أنه قدم رسمياً استقالته من منصبه في 15 أيلول/سبتمبر الماضي، أي ‘غداة أحداث السفارة الامريكية بتونس، على اعتبار أن ما تم ليس مقبولاً وغير معقول’.
وأوضح أنه قدم استقالته للرؤساء الثلاثة أي رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، ورئيس الحكومة في ذلك الوقت حمادي الجبالي، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، وذلك بحضور عدد من وزراء السيادة.
وأضاف أنه طُلب منه في ذلك الوقت الاستمرار في منصبه، ولكنه عاد وأكد أنه قدّم أيضاً خلال الأيام الماضية استقالته لعلي لعريض وزير الداخلية الحالي، المُكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
وقال الزبيدي ‘المؤسسة العسكرية منتشرة منذ أكثر من عامين..الان الجاهزية نقصت بسبب نقص التدريب المستمر.’
ويزيد هذا التصريح مخاوف التونسيين من غياب الامن في المناطق الداخلية والحدود مع تزايد نشاط جماعات اسلامية متطرفة.
وتسلّم عبد الكريم الزبيدي حقيبة وزارة الدفاع التونسية في حكومة الباجي قائد السبسي التي جاءت بعد استقالة حكومة محمد الغنوشي بعد نحو شهر من سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011، وقد حافظ عليه حمادي جبالي في حكومته التي تشكلت بعد انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وكانت تقارير إعلامية أشارت في وقت سابق إلى أن علي لعريض قبل اعتذار عبد الكريم الزبيدي عن المشاركة في تشكيلة حكومته المرتقبة، وقد اقترح خلال المشاورات مع الأحزاب التي وافقت على الانضمام لحكومته، اسم عبد الحق الأسود لخلافة عبد الكريم الزبيدي في وزارة الدفاع.
ويُنتظر أن تُعقد جولة جديدة من المشاورات حول تشكيل الحكومة التونسية، علماً وأن جولة الأمس شهدت انسحاب وفد حركة (وفاء) منها بسبب ‘التفاوض على المحاصصة الحزبية قبل تحديد برامج الحكومة القادمة وخارطة طريق واضحة للفترة المقبلة’، على حد تعبير سليم بوخذير الناطق الرسمي باسمها.
واعتبر بوخذير أن برنامج حكومة علي لعريض ‘هو وثيقة إدارية أقرب إلى مدونة سلوك وليس إلى برنامج حكومة، وأن خياراتها مازالت ضبابية’.
وتُشارك في هذه المشاورات 5 أحزاب هي حركة النهضة الإسلامية، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحركة وفاء، وحزب التحالف الديمقراطي، والكتلة النيابية الحرية والكرامة.
وكانت غالبية أحزاب المعارضة التونسية قد أعلنت رفضها المشاركة في الحكومة التي يعتزم علي لعريض تشكيلها، وخاصة منها الإئتلاف الحزبي اليساري (الجبهة الشعبية) الذي لم يتردّد في وصف تكليف علي لعريض تشكيل هذه الحكومة، بأنه ‘إعادة إنتاج لعناوين الفشل التي طبعت الحكومة المستقيلة برئاسة حمادي جبالي’.
دعا الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي، إلى أن يؤول الحكم في تونس إلى إسلاميين وعلمانيين معتدلين على حد سواء، حتى تتفادى البلاد الاستقطاب الثنائي الذي يعصف باستقرارها.
وقال المرزوقي في حوار مع صحيفة (الخبر) الجزائرية نشر امس الاربعاء، إنه ‘طول الوقت كنت أسعى إلى منع حدوث استقطاب ثنائي، هذا البلد يجب أن يُحكم في الوسط من قبل إسلاميين معتدلين وعلمانيين معتدلين، وأن يعملوا مع بعضهم، لأنه لو حدث هذا الاستقطاب الثنائي فسنعود إلى وضعية التسعينات، حكومة إسلامية ضد علمانيين تضعهم في السجون، أوالعكس، العلمانيون يأخذون السلطة ويقمعون الإسلاميين’.
واعتبر المرزوقي أن نجاح تونس يكمن في أن الحكومة المقبلة التي ستتشكل ‘ستحافظ على نفس التشكيلة، علمانيون معتدلون وإسلاميون معتدلون. وأنا دوري أن أحاول الحديث مع الإسلاميين والسلفيين والعلمانيين المتشددين لإقناعهم بأنه ليس لدينا خيار آخر غير ذلك، حتى نصل إلى الانتخابات المقبلة، وحينها سيفرز الشعب الأغلبية التي يريد أن تحكمه’.
وتوقع المرزوقي أن لا يؤدي تخلي حركة النهضة الحاكمة عن وزارات السيادة، الى تجاوز الانسداد الحالي والوصول إلى حكومة تعيد الاستقرار السياسي، قائلاً ‘نجحنا في إقناع الإخوة في حركة النهضة بالموافقة على تحييد وزارات السيادة، لكونه مطلب المعارضة وأغلبية الشعب، لكنني لست متأكداً من أن المعارضة لن تواصل إطلاق مطالب أخرى، أتفهّم أن دور المعارضة هو تعجيز السلطة، لكن ما يهمني ألا نذهب كثيراً في هذا، لأنه سيؤدي إلى الغلو والشطط’.
وشدد المرزوقي على أهمية صياغة الدستور للمرور إلى الانتخابات المقبلة باعتبار أن المعارضة تعتقد أن تأخر ذلك هو أحد أسباب الأزمة الراهنة.
وقال ‘لهذا اقترحت أن تكون الانتخابات التشريعية في أواخرتشرين الأول/ أكتوبر المقبل والانتخابات الرئاسية في أواخر أيلول/سبتمبر، وأنا أدفع بكل قواي الأطراف في المجلس التأسيسي لإكمال الدستور في نيسان/أبريل المقبل، والمرور إلى الانتخابات، خاصة أن الدورة الاقتصادية في تونس تدور ببطء، وهذا ينعكس على معيشة الناس’.
وأضاف ‘صحيح أننا، رغم الوضع غير المستقر، حققنا نسبة نمو بـ 3.6’، وهذا أمر طيّب، غير أن محافظ البنك المركزي الذي استقبلته، أمس، أبلغني أننا يمكن أن نحقق من 5 إلى 6’ إذا استقر الوضع السياسي. لدينا اقتصاد قابل للتطور’، معتبراً أن ‘الانتهاء من الدستور والذهاب إلى انتخابات وتشكيل حكومة مستقرة لمدة 5 سنوات، أصبح ضرورة حياتية لحل مشاكل الناس’.
وحذّر المرزوقي من أن التونسيين ‘لن يصبروا علينا كثيراً إذا بقيت الأمور غامضة وضبابية، وإذا لم تكن هناك مواعيد سياسية محدّدة، ولهم الحق في ألا يصبروا، وأنا معهم وأتعاطف مع مطالبهم، كل ما أتمناه أن تبقى هذه المطالبات في حدود اللاعنف، وإلا فإنها ستكون كارثة، خاصة على المناطق الداخلية الفقيرة التي تعيش في دوامة الفقر والبطالة، التي تؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات، وتصاعد الاحتجاجات يؤدي إلى عدم الاستقرار’.
وبشأن استرجاع الأموال المهربة من عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أشار المرزوقي إلى أن القضية تبقى في مستواها السلبي ‘لأننا لم نجد التعاون الكافي من قبل الدول، والمجرمون عرفوا كيف يخفون الأموال، ونحن لا نملك التقنيات الكافية لتتبع مسارها’،
وقال ‘الثابت أننا لن نتخلى عن هذا الموضوع، نحن في خضم مشاكلنا ليست لنا القدرة لمتابعة هذه المسائل، لكن حين تستقر الدولة بعد الانتخابات سنعمل على تحقيق ذلك، أما بالنسبة لاسترداد المجرمين الموجودين في السعودية وفي دول الخليج، فطلباتنا ما زالت معلّقة، نحن نواجه تسونامي من المشاكل الداخلية، والأولوية الآن لصياغة الدستور وإجراء الانتخابات ومحاربة ارتفاع الأسعار، وبعدها سنتفرغ لتلك الملفات’.
من جهة ثانية، قال الرئيس التونسي إنه ‘متأكد من أن تونس مجتمع ودولة قوية، حدثت هزّات كبيرة ومع ذلك تونس لم تنفجر ولم تدخل في حرب أهلية’.
واعتبر أن ‘الظاهرة السلفية، يمكن أن تشكل إزعاجاً كبيراً، لكنها لا يمكن أن تشكل خطراً على الدولة أو المجتمع، السلفية هي من مخلّفات العهد البائد، لأن بن علي عندما قضى على النهضة كحركة إسلامية معتدلة وسلمية، فتح المجال لقوى إسلامية تدرّبت وتعلّمت الحرب في أفغانستان ثم رجعت إلى تونس’.
وأشار المرزوقي الى أن ‘التيار السلفي ليس كله متشـــدداً، هــناك تيار تقليدي وهناك تيار إصلاحي، أنا أردت أن أفتح الــحــوار مع التيار السلفي الــتقليدي والتيار الإصلاحي، أما التيار السلفي المسلّح فسنقاومه، وهذه مسؤولية الجيش وأجهزة الأمن