حذر خبراء تونسيون من التداعيات الخطيرة من إشهار إمام سلفي لكفنه في وجه وزير الداخلية علي لعريض عبر برنامج تلفزيوني.
وكان إمام جامع النور السلفي نصر الدين العلوي قد رفع كفنه في وجه وزير الداخلية على لعريض خلال برنامج التاسعة مساء الذي تبثه قناة التونسية، ودعا الشباب السلفي إلى تحضير أكفانهم وخروجهم للجهاد، محرضا إياهم على قيادات حركة النهضة ووزير الداخلية النهضوي الذين اعتبرهم خصوما للسلفيين وأعداء للإسلام، خاصة أن اثنين من الشباب السلفي لقوا حتفهم على أيدي أعوان الأمن.
وأمام هذه الإرهاصات الخطيرة، طالب هؤلاء الخبراء عبر صحيفة “الصباح الأسبوعي” حركة النهضة التونسية أن تختار بين “حملة الكفن” وبين دعاة التقدم والحرية.
وفي هذا الإطار، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ رهان حركة النهضة والحكومة على إمكانية استيعاب التيار السلفي واحتوائه عبر الحوار ومحاولة الإقناع قد فشل، موضّحا: “لقد بات هذا التيار يعتقد أنّ حركة النهضة أصبحت عدوّة له، وبالتالي فقدت الشرعية بالنسبة إليه والدعوة إلى حمل الأكفان والجهاد دليل على وجود عناصر شبابية تسعى إلى تطوير صراعها مع حركة النهضة وحكومة الترويكا”.
بوادر اشتباكات بقيادة السلفيين
وعمّا إذا كانت الدعوة إلى الجهاد تعكس مواجهة مفتوحة بين قوات الأمن والسلفيين المتشدّدين، أكدّ الجورشي أنّ الوضع لن يشهد خلال هذه المرحلة على الأقل تصعيدا قويا من الطرفين، لافتا النظر إلى دعوات شيوخ التيار السلفي في اتجاه التهدئة على غرار الخطيب الإدريسي وأبو عياض.
وقال الجورشي: “مع ذلك، لا يجب أن ننسى أنّنا أمام مجموعات موزعة ولكلّ مجموعة قياداتها وهو ما يجعل باب عودة التوتر مفتوحا خاصة أنّ خطاب التيار السلفي لم يتغيّر، لذلك لا أستبعد حصول اشتباكات في الفترة القادمة”.
وبشأن تطبيق القانون الذي يخول لقوات الأمن إطلاق النار على السلفيين في حال وجود تجاوزات، قال الجورشي إنّ “تطبيق القانون ضامن لحماية هيبة الدولة لكنّ المعالجة الأمنية التي تعكس العنف الشرعي لن تكون وحدها كافية لأنها معقدّة خاصة أنها أثبتت فشلها زمن بن علي عندما تعامل مع النهضة”.
السلفيون وانتظار اللحظة الحاسمة
ومن جهته، تساءل أستاذ التاريخ والمختص في الدراسات الإسلامية علية العلاني عمّا إذا كانت حركة النهضة ستختار حملة الأكفان أم دعاة التقدّم والحرية (الليبراليين)، قائلا: “لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنّ جزءا من التيار السلفي الجهادي قررّ التصعيد في مواجهة الحكومة”.
وبخصوص اعتقاد البعض في تواصل حرب مفتوحة بين السلطة والسلفيين، أشار محدّثنا إلى العارفين بخبايا التيار السلفي الذين شكّكوا في ذلك، قائلا: “بعد يوم من تلويح العلوي بكفنه على المباشر، تسارعت الوساطات النهضوية مع السلفيين وبادر الخطيب الإدريسي وأبو عياض للتحذير من شبح مواجهة بين النهضة والسلفيين لأنّ ذلك في رأيهم يخدم العلمانيين”.
وأشار العلاني في هذا الصدد إلى ما قاله الخطيب السلفي الإدريسي في بيانه، عندما قال “علينا أن نمرّ من هذه المرحلة الصعبة بأقلّ الأخطاء والخسائر فإنها ليست الحاسمة”، وهو ما دفع العلاني إلى التساؤل: “متى تحلّ هذه اللحظة الحاسمة، هل ستكون قبيل الانتخابات القادمة أو بعدها؟”.
وبالنسبة لأستاذ التاريخ، العلاني، فإنه يشكك في قدرة حركة على تهدئة السلفيين، بقوله “إذا كانت حركة النهضة قادرة على تحييد التيار السلفي وإقناعه بهذه السرعة على التعقلّ، فلماذا لم تفعل هذا منذ أشهر عندما تعرضّ العديد من السياسيين ورجال الفكر والثقافة إلى اعتداءات من قبل السلفيين”.
لكنه استدرك قائلا: “ما يمكن أن نستخلصه من حادثة الاعتداءات السلفية الأخيرة هو أنّ التيار الجهادي بمختلف تشكيلاته ليس بالخطورة التي صورّتها وسائط الإنترنت لغاية في أنفس الكثيرين، فهم مجردّ مئات لا يزيدون ولا ينقصون”.
الاختيار الصعب
ودعا العلاني إلى تجنب المواجهة بين قوات الأمن والسلفيين أو مع غيرهم من التيارات، داعياً في هذا الإطار إلى وجوب حمل الجميع على احترام قواعد اللعبة التي تتمثّل في الحفاظ على النظام الجمهوري ومدنية الدولة والمسار الديمقراطي.
واعتبر المتحدث أنّ المواجهة لن تكون مفتوحة، قائلا: “لن يكون التيار الحاكم ديكتاتوريا والنهضة لن تتبع أسلوب بن علي، خاصة أنّ مساحة هامش الحلفاء تقلصّت، لذلك هي مجبرة على التحالف مع السلفيين وحديث الإدريسي عن الحسم أكبر دليل على ذلك”.
وأضاف محدّثنا: “إنّ تسريع حركة النهضة في تطويق أزمة الاعتداءات السلفية الأخيرة عن طريق بعض الوسطاء يعتبر حيويا بالنسبة إليها لأن عدد شركائها وحلفائها في تقلص مستمرّ”.
وتساءل هنا قائلا: “هل بدأت تدرك الحركة أنّ مستقبلها السياسي ليس مع الحاملين للأكفان، وإنما مع الداعين إلى التقدم والحرية (الليبراليين) والأمان والعاملين على تركيز مجتمع المواطنة والمساواة